كما كان متوقعاً، لم يكن الأمر يحتاج إلى أكثر من ساعات حتى تتلاشى الأجواء الإيجابية، التي رافقت عمليّة تأليف الحكومة في الأيام الماضية، ليعود التصعيد بين تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر" إلى الواجهة من جديد، على وقع فشل المبادرة التي يقودها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مدعوماً من "حزب الله".
في الصورة العامّة، العقدة الأساس تكمن بعدم التوافق على آلية تسمية الوزيرين المسيحيين، حيث أن حصة رئيس الجمهورية ميشال عون 8 وزراء، بينما حصة قوى الثامن من آذار (حزب الله وحركة أمل والحزب القومي وتيار المردة) 8 وزراء، لتبقى حصة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، التي من المفترض أن تكون 8 وزراء، لكنها تحتاج إلى حسم مسألة وزيرين مسيحيين، نظراً إلى أنها تشمل حسب التوزيع الطائفي: 4 وزراء سنة و2 دروز، يرفض "التيار الوطني الحر" أن يتولى الحريري تسميتهما.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الأزمة الحكوميّة في حقيقتها أعقد من مسألة الوزيرين، التي كان من الممكن الإتّفاق عليها بسهولة في حال كان هناك الحد الأدنى من الثّقة بين التيارين، وتلفت إلى أنّ هذا الأمر غير متوفّر منذ تاريخ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، أي بعد إستقالة رئيس الحكومة المكلّف، نظراً إلى أن الحريري حمّل "التيار الوطني الحر" مسؤوليّة ما حصل، بعد ما يقارب 3 سنوات من التسوية الرئاسيّة.
وتوضح هذه المصادر أنّ مشاورات تأليف الحكومة الحاليّة أكّدت صعوبة الوصول إلى توافق جديد بين الجانبين، بسبب عدم رغبة أيّ منهما بتقديم أي تنازلات في الوقت الراهن، خصوصاً أنّهما يستفيدان من التصعيد الحاصل قبل نحو 10 أشهر من تاريخ الإنتخابات النيابية، فـ"المستقبل" يستفيد من معادلة الدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة، بينما يستفيد "التيار الوطني الحر" من طرح الدفاع عن حقوق المسيحيين.
وترى المصادر نفسها أن كل ما حصل، في الأيام الماضية، أكد نقطتين أساسيتين: الأولى هي أن رئيس الحكومة المكلف عاجز عن تشكيل الحكومة في الوقت الراهن، نظراً إلى غياب الضوء الأخضر الخارجي الذي يحتاج إليه، بالإضافة إلى عدم رغبته في تحمل مسؤولية قرار رفع الدعم عن السلع الأساسية، أما الثانية فهي أن "التيار الوطني الحر"، رغم تأكيده المتكرر العكس، غير راغب في أن يكون الحريري هو رئيس الحكومة المقبلة.
إنطلاقاً من ذلك، تعتبر المصادر السياسية المطلعة أن عملية تشكيل الحكومة، في ظل المعطيات الراهنة، تتطلب بالحد الأدنى العمل على إعادة ترميم الثقة بين التيارين أو إنتاج تسوية جديدة، حتى لو كانت مرحلية لا أكثر، نظراً إلى أن من المستحيل ولادتها في ظل الصراع القائم بينهما، خصوصاً أن إحتمالات إنتقاله لاحقاً إلى طاولة مجلس الوزراء كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تشدد هذه المصادر على أنّ العقدة الأساس تكمن بغياب أدوات إدارة الأزمة، حيث أنّ غالبية القوى الخارجية المانحة لا تبدي إهتماماً فعلياً بالساحة اللبنانية، بل على العكس من ذلك الدولة الوحيدة التي كانت تظهر ذلك، أي فرنسا، قررت الإنسحاب من الواجهة، نتيجة العراقيل التي اصطدمت بها على مدى أشهر طويلة.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ السجال الحالي بين التيارين يظهر أنّ الحل الأمثل قد يكون الذهاب إلى إنتخابات نيابيّة مُبكرة، بغض النظر عن إمكانيّة أن تقود إلى حلّ المشكلة أو إلى التغيير المنشود، لكنه بالتأكيد لا يوحي بإقتراب موعد تأليف الحكومة، التي بات البلد بأمس الحاجة إلى ولادتها في أسرع وقت ممكن.