كل يوم يمرّ في ظلّ إستمرار الفشل في تأليف حُكومة جديدة لإدارة السُلطة التنفيذيّة، وفي ظلّ إستسلام حُكومة تصريف الأعمال وتهرّبها من القيام بأدنى واجباتها، نقترب أكثر فأكثر من الإنهيار الشامل. صحيح أنّنا بلغنا أصلاً مرحلة الإنهيار الجزئي حاليًا، لكن الإنهيار الشامل هو شيء مُختلف تمامًا، وتداعياته لن تقتصر على إقفال طريق هنا وعلى تظاهرة هناك وعلى إضراب إحتجاجي هنالك. فتداعيات الإنهيار الشامل أخطر من ذلك بكثير، ما يستوجب على كل من يتعاطى بالشأن العام في هذه الدَولة غير المُستقرّة منذ تأسيسها حتى اليوم، أخذ الأمر على محمل الجدّ قبل فوات الأوان!.
الشحّ في توفّر الأدوية وإضطرار كل مُواطن إلى زيارة عشرات الصيدليّات للتمكّن من الحُصول على جزء من أدويته، أو حتى لترك إسمه ورقم هاتفه للتواصل معه من قبل الصيدلي عند تأمينها، شيء، وإنعدام وُجود الأدوية كليًا، وعدم توفّرها بشكل كامل ما لم يتمّ رفع ثمنها خمسة أو ستة أضعاف في المُستقبل، شيء آخر تمامًا!.
الشحّ في توفّر مادة البنزين وإضطرار كل مُواطن إلى البحث عن محطة وقود تبيع هذه المادة، والإنتظار في صفّ طويل وفوضويّ من السيّارات، لمُجرّد تعبئة خزّان سيّارته بنصف "تنكة بنزين" أو بثلثي "تنكة" في أفضل الأحوال، شيء، وعدم فتح الإعتمادات لشراء الفيول وإنقطاع البنزين كليًا ما لم يرتفع سعره وسعر باقي المُشتقّات النفطيّة، أربعة أضعاف على الأقلّ، شيء آخر تمامًا!.
إنقطاع الكهرباء لفترات طويلة، وإضطرار كل مُواطن لدفع مئات آلاف الليرات لأصحاب مُولّدات الكهرباء في مقابل الحُصول على تغذية بديلة بطاقة "5 أمبير"، شيء، وإنقطاع الكهرباء بشكل كامل أو شبه كامل وإرتفاع أسعار فواتير مولّدات الطاقة الخاصة،بشكل خيالي، شيء آخر تمامًا!.
إرتفاع أسعار السلع الغذائيّة والحياتيّة الأساسيّة، وإرتفاع فواتير الخدمات المعيشيّة على أنواعها، بشكل كبير، وإضطرار كلّ مُواطن إلى شراء ما يسدّ جوعه وجوع عائلته وما هو بحاجة ماسة إليه فقط لا غير، شيء، وعجز الجزء الأكبر من الشعب اللبناني عن تأمين قُوته اليومي وعن سداد تكاليف معيشته بالحد الأدنى ومهما مارس من مُحاولات تقشّف، شيء آخر تمامًا!.
إستمرار المصارف في حجز أموال المُودعين، والسماح بسحب الفُتات من هذه الأموال وفق مُعدّلات محدودة يوميًا وشهريًا، لحسابات الليرة اللبنانية، وبعد إقتطاع ثلاثة أرباع قيمتها أيضًا لحسابات الدولار الأميركي، شيء، والتوقف عن السداد بشكل كامل، وإعادة إغلاق المصارف، أو إنهيارها، شيء آخر تمامًا!.
إستمرار الخدمات الطبيّة والإستشفائيّة بالحد الأدنى، وإستمرار مُساعدات الضمان الإجتماعي وكفالات شركات التأمين وإعادة التأمين، ولوّ بعد طول تأخير ووفق لوائح أسعار لا تتلاءم مع الواقع الحالي، شيء، وإنهيار القطاع الطبّي والإستشفائي، ومعه الشركات الضامنة الرسميّة والخاصة، شيء آخر تمامًا!.
إستمرار توفّر حد أدنى من العُملات الصعبة في السُوق اللبناني لتمويل شُحنات الإستيراد من الخارج، وإستمرار تعامل قلّة من المصارف الأجنبيّة مع التُجّار والمصارف في لبنان، شيء، وإنعدام الدولار وباقي العُملات الأجنبيّة بشكل شبه كامل، وبالتالي توقّف عمليّات الإستيراد من الخارج، شيء آخر تمامًا!.
إستمرار الدولة التي تراجعت وارداتها بشكل خطير، والتي لم تعد قيمها تُغطّي سوى جزء يسير من المصاريف، شيء، وتوقّف إيرادات الدولة بشكل كامل، أو تبخّر قيمتها بشكل تام، وعجزها بالتالي عن سداد رواتب موظّفيها المدنيّين والعسكريّين، وعن تسيير وزاراتها وشؤون مواطنيها، شيء آخر تمامًا!.
والأمثلة لا تنتهي، والخُلاصة أنّنا نقترب بخطى ثابتة وسريعة من الإنهيار الشامل، والقول إنّنا نعيش وسط الإنهيار أصلاً، لا يعني النوم على حرير إطلاقًا، ولا الإدّعاء بأنه لا يُمكن للأمور أن تُصبح أكثر سوءًا. فالإنهيار الجزئي الحاصل اليوم لم يُغلق بعد الباب على إمكان إنقاذ ما يُمكن إنقاذه في يوم من الأيّام، بينما الوُصول إلى الإنهيار الشامل يعني فُقدان الأمل بأيّ فرصة للنجاة، حتى في المُستقبل. والأخطر أنّ الإنهيار الشامل قد يقود إلى غضب شعبي عارم، وإلى فلتان إجتماعي شامل، وحتى إلى تراخ أمني خطير، بحيث تعمّ الفوضى وتسود شريعة الغاب ويدخل لبنان في نفق شديد السواد...
في الخلاصة، الوقت حان لأن يترفّع المسؤولون، كلّ المسؤولين من دون أيّ إستثناء، في السُلطة وخارجها، عن الحسابات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة والحزبيّة والشخصيّة الضيّقة، وأن ينكبّوا فورًا-ومن دون أيّ يوم تأخير إضافي، على رسم خريطة طريق لوقف الإنهيار، أو على الأقلّ لإبطائه. وفي حال إستمرار سياسة التعنّت والإستهتار واللامُبالاة، فإنّ العواقب ستكون وخيمة جدًا، ما يستوجب إجراءات إستباقيّة سريعة، لأنّ الإنهيار الشامل لا يعني إقفال بعض الطُرقات... إنتبهوا!.