نرفع الدعاء في كل صلاة من أجل نجاتنا من كل ضيقٍ وغضبٍ وخطرٍ وشدةٍ، ونرفقها بعبارة: إلى الربّ نطلب.
هذه الصلوات ليست وليدة الصدفة. فكاتبوها لمسوا في حياتهم ضعفات البشر، وجنوحهم إلى الشر والغضب، وإلى ركوب موجات الخطر لمواجهة الشدائد التي تعصف بالبشرية، سواء أتت من كوارث طبيعية، أم منهم أنفسهم.
بالإجمال، الخطر الناتج من الآخر، يحمل البشر إلى نصب الكمائن لبعضهم البعض، فمنذ التكوين والبشرية تهاجم بعضها، وتستولي على مغانم الآخرين. واذا عجزت، تنصب الفخاخ وتزرع بذور الفتنة الداخلية، لإسقاط المجتمع من الداخل. والتاريخ غني بحوادث من هذا النوع.
وما زالت البشرية تسقط نتيجة الفتن الداخلية المتنقلة التي تُحاك من جهات مغرضة، ومن جماعات تبغي الشر، ومن دول تسعى لإسقاط دول أخرى لغايات وغايات.
والفتنة الداخلية أصعب بكثير من مهاجمة دول متغطرسة لدول ضعيفة. فصمود هذه الدول تحديدًا أمام الدول الكبرى، مهما عظُم حجمُها وعظمت قوتُها، ناتج عن تلاحم الشعب ومؤازرتهم لبعضهم البعض. بهذا يستطيعون المواجهة وتسجيل الإنتصارات في وجه المتغطرسين. أمّا في حال الفتنة الداخلية فعلى الأوطان السلام.
فالشر المستفحل في عقول وقلوب البشر الناتج عن الطمع والإستكبار والتسلّط والهيمنة العلنية، لا يوازي نقطة في بحر الفتنة المتستّرة والنقّالة، التي أبطالها ومنفذّوها من الداخل حتمًا.
هذه الفتن لا تبصر النور إذا لم يكن لها أرضيّة خصبة، وأشخاص وفئات يتبنوها.
ما يحصل في الآونة الأخيرة من حوادث متنقلة، ينطبق عليها، بالمبدأ، تسمية: مشروع فتنة، لا سيّما ذات الوجه الطائفي. فتكسير صلبان المدافن وخلع أبوابها وسرقتها وانتهاك حرمتها، وسرقة اجراس كنائس ومزارات، وتوجيه كلمات نابية بحق المسيح والعذراء مريم والقدّيسين، وتعدٍّ على أراضي الأوقاف، وتمزيق صور زعماء وحرق أعلام، وشتم المقامات، وأمور مشابهة، هي بالمبدأ، ليست إلا مشروع فتنة متنقلة. لكن على المسؤولين والمرجعيّات، ولا سيما الروحيّة المسيحيّة والإسلاميّة، إضافة إلى الأحزاب، عدم السماح بردّة فعلٍ، تفتح المجال للفتنويين بتنفيذ مآربهم.
"لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هذَا الشَّعْبُ فِتْنَةً، وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا"(إش 8: 12)، يبدو أن الشعب المنافق حسب توبيخ النبي لآحاز أنه مؤامرة ومشروع فتنة ضدّ الملك آحاز، لذلك وردت هذه الآية عند اشعياء. من هنا علينا أن نعي، أنّه ليس كلّ عملٍ تخريبي هو مشروع فتنة، وعلينا أن نحكّم العقل، ولا نجيّر تهوّر شخصٍ أو أشخاص إلى طائفة بأكملها. هذه أمور تعلمتها من خلال خبرتي الشخصية في رعيتي الشويفات ودير قوبل، حيث الإختلاط الطائفي موجود؛ فلا يجب أن نلبس كلّ غلطٍ أو تهوّر شخصي عباءة الفتنة الطائفية والمذهبية، إذ ليس كل توبيخ مؤامرة.
ندائي لكل الغيارى على مصلحة المواطن، والمتبقين على مساحة الوطن، إيّاكم والفتنة من كلّ أنواعها وأبعادها. يكفينا ما نحن فيه وما أوصلنا إليه المتربّصون شرًا بالبلد، وما ارتكبوه من معاصٍ؛ رجاءً كفّوا عنا شر الفتن، ولا سيما الطائفية من أيّة فئة أتت، واستتروا برحمة الله، حتى نحافظ على ما تبقّى من وطن.