تتواصل الإتصالات على الساحة الداخليّة في مُحاولة لكسر حال الدوران في الحلقة المُفرغة على مُستوى الملفّ الحُكومي، حيث يُنتظر أن يقوم رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بدعم وبمُؤازرة من جانب "حزب الله"، بمزيد من الجُهود خلال الساعات والأيّام القليلة المُقبلة، لدى كلّ من تيّاري "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل". فهل يُمكن التوصّل إلى خرق، وما الذي يُعيق عمليّة التشكيل؟.
في الظاهر، الخلافات بين التيّارين "البُرتقالي" و"الأزرق" تتركّز على توازنات الحُكومة وبعض حقائبها وبعض تسميات الوزراء فيها. وقد تردّد أنّ توافقًا غير مَحسوم بعدقد تمّ على تركيبة الثلاثة أثلاث (8 وزراء لكلّ فريق) لحُكومة من 24 وزيرًا، بحيث لا يستطيع أيّ فريق وحده التأثير على قراراتها أو التمتّع بالثلث المُعطّل فيها، لكنّ التعثّر بقي قائمًا. وقيل الكثير أنّ "المُستقبل" يشترط مُسبقًا أن يُصوّت "الوطني الحُرّ" للحكومة ليحقّ له بثمانية وزراء، وإلا فإنّ حصّة رئيس الجمهوريّة فيها يجب برأيه ألا تتجاوز الثلاثة وزراء. وقيل أيضًا أنّ الخلاف الأساسي يتمحور حول مسألة تسمية الوزراء، لا سيّما بالنسبة إلى وزيرين مسيحيّين من أصل 12 وزيرًا، من خارج حصص "الرئيس–الوطني الخرّ" و"المردة" و"القومي"، علمًا أنّ "المُستقبل" ما زال يعتبر أنّ وزيري حزبي "الطاشناق" و"الديمقراطي اللبناني" هما من حصة "التيار" وغير مفصولين عنها، لأنّهما يُصوّتان مع"التيار" ويخضعان لنفوذه الإنتخابي، الأمر الذي يرفضه "الوطني الحُرّ".
لكنّ في المَضمون الخلافات لا تقتصر على هذه العقبات المَذكورة أعلاه فحسب، بل تشمل أيضًا خلافات كبيرة على الوزارات التي تؤثر على الإنتخابات. وفي هذا السياق، يُوجد إهتمام كبير من جانب مُختلف الأفرقاء السياسيّين بحقيبة وزارة الداخليّة التي سيكون لها الكلمة الفصل في الإستحقاقات الإنتخابيّة المُقبلة، وبحقيبة الشؤون الإجتماعية نظرًا إلى دور هذه الوزارة في التحكّم باللوائح الإسميّة الخاصة بالبطاقة التموينيّة المَوعودة، وهي بطاقة قد تلعب دورًا بالغ الأهميّة في إستمالة الكثير من العائلات المُتواضعة الإمكانات الماديّة، في عمليّة رشوة إنتخابية واضحة المعالم. أكثر من ذلك، إنّ الإهتمام واضح أيضًا بحقيبة الإقتصاد كون هذه الوزارة تُمثّل بابًا للتعامل مُستقبلاً مع مُساعدات وقروض صندوق النقد الدَولي المَوعودة أيضًا، إلخ. وبالتالي، الخلافات ليست فقط على وزارتي العدل والداخليّة للإمساك بالأمن الداخليوبالملفّات القضائيّة، في ظلّ نيّات مُتبادلة لتشويه سُمعة هذا الفريق وتبييض سمعة ذاك، ولمُحاولة مُحاكمة هذا المسؤول وتبرئة ذاك، بل تصل إلى حقائب أخرى مُتعدّدة.
ويُمكن القول إنّ المعركة فُتحت على مصراعيها من اليوم، على الخُطوط العريضة للعهد المقبل، فتيّار "المُستقبل" أخذ قراره بأنّه لن يُصوّت لأيّ مرشّح من "التيّار الوطني الحُرّ" في إنتخابات رئاسة الجُمهوريّة العام 2022، وألا تكرار للتسوية الرئاسيّة، وهو يتناغم في قراره هذا مع مجموعة من القوى الأخرى التي تؤازره من خلف الستار. و"التيّار الوطني الحُر" يأمل بدوره أن يكون من المُمكن الذهاب إلى خيارات أخرى على مُستوى رئاسة الحُكومة من خارج عباءة "التيّار الأزرق"، بشرط أن تتمتّع هذه الخيارات والشخصيّات المعنيّة فيها، بقاعدة شعبيّة وازنة. وبالتالي، المعركة بين هذين التيّارين مَنوطة بشكل كبير في نتائج الإنتخابات النيابيّة المُقبلة التي ستُحدّد الإتجاه الذي ستسلكه الأمور بناء على حجم كلّ كتلة نيابيّة، علمًا أنّ هذه الإنتخابات النيابيّة تسبق المعركة الإنتخابيّة الرئاسيّة وسُتحدّد بالتأكيد معالم هذه الأخيرة، وبالتالي معالم العهد الرئاسي المُقبل بكامله.
والخشية كبيرة من أنّه ما لم يحدث تبدّل كبير وجذري على مُستوى توازنات المجلس النيابي،ستبقى قُدرة التعطيل المُتبادل قائمة لدى أكثر من طرف، لا سيّما تلك الوازنة مثل "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ". وإذا كان "التيّار الأزرق" بمُساعدة من العديد من القوى الأخرى، قد تمكّن من إفشال العهد الرئاسي بعد إستبعاده من الحُكم عند تشكيل حُكومة جديدة برئاسة الدُكتور حسّان دياب، فإنّه سيكون بمقدور "التيّار الوطني الحُرّ" القيام بالمثل، في حال إنتخاب شخصيّة من خارج عباءته لرئاسة الجُمهوريّة، خاصة في حال تمكّن "التيّار" خلال الإنتخابات المُقبلة من الحفاظ على موقعه المُتقدّم على مُستوى التمثيل المسيحي.
في الختام، الأكيد أنّ لعبة عضّ الأصابع بين "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ" بلغت ذروتها حاليًا، في إنتظار من سيصرخ أوّلاً، مع ترجيح أن تأتي الصرخة الأعلى والأقوى من الشعب اللبناني في القريب العاجل، بعد أن بلغ حجم الإنهيار والعوز والذلّ مُستويات غير مَسبوقة، بغضّ النظر عن بعض مظاهر الرفاهيّة هنا وهناك، والتي لا تُمثّل واقع أغلبيّة واسعة من الشعب اللبناني في الظُروف الراهنة. إشارة إلى أنّه في ظلّ إستمرار التعثّر، تمّ إستبعاد فكرة الدعوة إلى الحوار في القصر الجُمهوري، بعد التأكّد من رفض "المُستقبل" وأطراف أخرى مثل حزب "القوات اللبنانيّة"، المُشاركة في هكذا خُطوة تحرّف برأيهما الأنظار عن المُشكلة الحقيقيّة. كذلك زاد مُستوى التشكيك بإمكان نجاح الإستقالات النيابية الجَماعيّة التي شهَر سيفها أكثر من طرف، ضُمن لُعبة الضُغوط والتهديدات المُتبادلة. وبالتالي، إمّا تنجح الإتصالات الحاليّة بتأمين ولادة ولوّ عسيرة، لتسوية حُكوميّة مُشابهة للتسوية الرئاسيّة، وإمّا الأمور ستنزلق إلى مزيد من الإنهيار على مُختلف الصُعد.