أطلق «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» تقريره النصفي الذي تضمن مجموعة نقاط رفعت لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كتوصية بما يخص الملف السوري يحذر من مغبة تطبيع العلاقات بين سورية والدول العربية أو الإقدام على سحب القوات الأميركية من سورية لأن في ذلك اعترافاً واضحاً بفشل المشروع الأميركي فيها وفي المنطقة.
التقرير النصفي لـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» جاء تحت عنوان: «التداعيات السياسية لتطبيع الدول العربية مع بشار الأسد» والذي يعبر عن آراء فريق أميركي يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية في سورية متجاهلاً خروج الملايين من السوريين للتعبير عن نصر مبين حققه السوريون بتصميمهم على إيلاء ثقتهم المطلقة بالرئيس الأسد.
التقرير الأميركي رفض الاعتراف بفشل المشروع الأميركي في سورية، ويدعو الإدارة الأميركية إلى عدم الانشغال بالتنافس الأميركي الصيني على حساب وجودها في سورية محذراً من أي تقارب عربي سوري لأن مثل هذا التقارب سيضر بالمصالح الأميركية في سورية والمنطقة كما وأنه يُقر أن هنالك حلفاً إقليمياً نشأ بقوة من البوابة السورية يتمثل بإيران وعلاقتها بمحور المقاومة في كل من العراق وفلسطين ولبنان من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى لأن دعم تلك الدول لسورية سيجعل من النفوذ السوري في المنطقة أقوى من ذي قبل وأن هذا النفوذ القوي سيغير الكثير من معايير وقواعد المشهد إقليمياً ودولياً.
ويضيف التقرير بأنه إذا ما عاد النفوذ السوري بقوة فإنه ومن دون شك سيؤثر على الكيان الإسرائيلي وسيحرج المطبعين خصوصاً من خلال ضغط داخلي تبلورت ملامحه بأحداث فلسطين الأخيرة ويهدد أمن اتفاقيات السلام.
ويقول التقرير: إن السماح للرئيس لأسد باستعادة الشرعية مع الخارج سيشكل خطأً استراتيجياً فادحاً لا يمكن تفسيره لأن المرجح في هذه الحالة أن تواجه الدول العربية التي وقعت مؤخراً على اتفاقيات التطبيع «إبراهام» مع إسرائيل ضغوطاً داخلية أكبر بسبب استمرار صدى القضية الفلسطينية، كما رأينا سابقاً من اتفاقات سلام بارد مع مصر والأردن لذلك فإن التطبيع مع الرئيس الأسد قد يؤدّي إلى تعبئة أكبر ضد الأنظمة العربية المحلية حيث سيُنظر إليها على أنها متواطئة بجرائم إسرائيلية ضد الفلسطينيين.
التقرير الذي رفع لإدارة بايدن حمل تحذيراً من تداعيات التطبيع العربي مع سورية ومما جاء في التحذير: ينبغي للإدارة الأميركية أن تولي اهتماماً وثيقاً بتنبيه حلفائها على تطبيع العلاقات مع الرئيس الأسد، ويجب أن تعمل بجد لثنيهم عن اتباع هذا المسار الخطير وغير الحكيم وقصير النظر ويجب على الإدارة الأميركية أن تشرح لهم أن إعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق تعني تمكين الرئيس الأسد من تنفيذ طموحاته وسيجعل حلفاء واشنطن في المنطقة يعانون من عواقب تثبيت انتصار سورية لأن التجارب أثبتت مراراً وتكراراً أن ما يحدث في سورية لن يبقى في داخل سورية.
الجدير ذكره ان معهد واشنطن هو معهد بحث أميركي تأسس في 1985 من قبل لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية المعروفة اختصاراً «أيباك» والهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وأن «أيباك» كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك.
من خلال ما تقدم من توصيات في تقرير معهد واشنطن المعتمد في الإدارة الأميركية يتبين لنا التالي:
أولاً: الكشف عن النوايا الأميركية الاستمرار بحصار سورية وبعدم تنفيذ الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية والإفراج عن ثرواتها الطبيعية من أجل زيادة الضغط الاقتصادي.
ثانياً: الرعب الذي أصاب الإدارة الأميركية وحليفتها إسرائيل جراء نجاح عملية الانتخابات الرئاسية في سورية التي أفضت نتيجتها إلى تجديد ثقة الشعب السوري المطلقة بالرئيس الأسد وبخياراته وبتحالفاته الاستراتيجية.
ثالثاً: إدراك الإدارة الأميركية والعدو الإسرائيلي أن انتصار سورية سيؤدي حتماً إلى انحسار النفوذ الأميركي الإسرائيلي الأمر الذي يشكل انقلاب الصورة لمصلحة الإطاحة بكل أشكال التطبيع الرخيصة والاتفاقات المذلة مع العدو الإسرائيلي وهذا ما يمنح سورية الأسد استعادة المبادرة في زعامة المنطقة العربية.
الرئيس الأسد في كلمته للشعب السوري عقب فوزه بالانتخابات عبر عن إرادة شعب ومحور مقاوم بأكمله وعن تصميم دولة تحترم دماء شهدائها وجرحاها وبأن سورية ستبقى عزيزة ثابتة في مواقفها مصممة على طرد المحتل الأميركي وباقي التنظيمات الإرهابية التي ترعاها تركيا وأميركا وإسرائيل مع بعض العرب حتى تحرير كل شبر من أرض سورية طوعاً أو كرهاً بالسياسة أو بالمقاومة ومهما بلغت التضحيات.
صحيح أن انتصار الرئيس الأسد يعني انتصار سورية وانتصار أصل العروبة وقلبها وبهذا فإن الرئيس الأسد لم يعد رئيساً لسورية أم العروبة وأصلها فقط بيد أنه وبهذا الانتصار وبالتأييد الشعبي الجارف الذي أدهش العالم فقد أصبح الأسد رئيساً مؤتمناً على محور المقاومة بأكمله وما اجتماعه بفصائل المقاومة الفلسطينية بدمشق إلا تأكيد على أن سورية هي الحاضنة والمرجع الأساسي لمحور المقاومة الرافض للسياسات وللمشاريع الأميركية الصهيونية الآيلة إلى تفتيت المنطقة وتشتيت مجتمعاتها وتدمير
حضارتها وثقافتها ثم تسليمها للعدو الإسرائيلي.
إن الفرق بين سورية قلب العروبة وأصلها وبين بعض الدول العربية هو أن سورية أثبتت للعالم أنها حرة القرار وأن كل من حاول النيل من سيادتها يساوي صفراً على حين بعض الدول العربية التي تمتنع عن فتح سفاراتها في دمشق خوفاً من مخالفة إرادة البيت الأبيض هم في الحقيقة ليسوا أحراراً في أوطانهم لأنهم جعلوا من بلادهم بشعبهم وحتى من ثروات بلادهم رهائن لإرادة العم سام فيما هم لا يفقهون معنى السيادة الوطنية لأن الحر يبقى حراً ولا تأخذه لومة لائم ومن فوق الطاولة وليس من تحتها أو بالواسطة.
نختم بالقول: إن من يطالب بعودة سورية إلى الجامعة العربية فهو مخطئ لأن سورية هي أصل العروبة وقلبها ومن أراد العروبة الحق عليه العودة إلى سورية الأسد علانية وليس العكس لأن انتصار سورية لن يبقى في داخلها ولأنه سيكتب في كتب التاريخ لتقتدي به الأجيال العربية.