تنفجر الأزمات في وجه الشعب اللبناني بشكل يوميّ، ولكن الإنهيار الشامل الذي سمعنا عنه منذ نهاية العام الماضي لم يأت بعد، وهنا لا نقصد القول أننا على عجلة لحصول الإنهيار، ولكن من الضروري الإشارة إلى وجود قرار يبقي البلد في دائرة الأزمات مع منع السقوط الكامل.
نعيش أزمة في البنزين، وباتت الطوابير على المحطّات من المشاهد المألوفة واعتاد اللبناني عليها، ولكن بنفس الوقت لا تُفقد المادة من السوق، بل تظل موجودة مع التقنين، تماماً كما يجري في ملف الكهرباء، حيث التهديد بالعتمة الشاملة لا يتوقف، ما يجعل اللبناني يعيش التوتر بشكل دائم، ويعيش الخوف من انقطاع الكهرباء وهستيريا أن حياته بخطر ربما لاعتماده على الطاقة بشكل أساسي، ولكن فجأة يتم اتخاذ قرار بصرف أموال وتأمين الفيول فيزول خطر العتمة الشاملة وتقنين المولدات، ولكن مع استمرار التهديد بالعتمة الشاملة في مرحلة مقبلة، وما تصريح وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال ريمون غجر سوى خير دليل على ذلك، عندما قال أن هذا الحل موقت، والأزمة ستعود في المستقبل القريب. فعلاً إنه تصريح مسؤول من رجل مسؤول، لم يفعل شيئا في عمله سوى التبشير بالعتم.
وكما البنزين والكهرباء، كذلك الدواء، إذ أيضاً يعيش اللبناني الخوف يومياً من انقطاعه، وفي يوم يتبخّر الدعم عنه ليعود في اليوم الثاني، فيبقى الحال على ما هو عليه، أي أننا نعيش أزمة دواء ولكن لا يُفقد بشكل كامل، وكأنّ المطلوب العيش بظل هاجس انقطاعه.
كذلك الحال بالنسبة للدولار، فهو يرتفع ولكنه لا يحلّق، بمعنى أنه يصل إلى 14 ألف ليرة و15 ألف ليرة ولكنه لا يفقد السيطرة على نفسه فيصل إلى 100 ألف مثلاً، لأنّ المطلوب العيش بقلق دون الوصول إلى الإنهيار الشامل.
توحي التصريحات التي يطلقها العديد من المسؤولين عن بعض القطاعات بأن ما يحصل من أزمات على المستوى الشعبي مفتعل سياسياً بالدرجة الأولى، بدليل التراجع عنها بعد وقت قصير، كما حصل عند الحديث عن إحتمال إنقطاع الانترنت في عطلة نهاية الاسبوع الماضي، قبل أن يخرج وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال طلال حواط بموقف مطمئن.
في المقابل، يعمد بعض النقابيين إلى ربط الحلول بتشكيل الحكومة المقبلة، من دون تقديم أي تبرير لهذه المعادلة، خصوصاً أنّ الأزمة من المفترض أن تكون ماليّة اقتصاديّة بالدرجة الأولى، ما يدفع إلى السؤال عمّا إذا كانت بعض هذه الأزمات مقصودة، لزيادة الضغط على المعنيين بالملفّ الحكومي لدفعهم إلى تقديم تنازلات.
بالتزامن، هناك مؤشرات على أن غالبية الأزمات ليست بالحدّة التي يتمّ الحديث عنها، نظراً إلى أنّ أغلبها يعالج في وقت قصير عندما يصدر القرار بذلك، ما يدفع إلى القول بأنّ لعبة الضغوط القائمة منذ ما قبل السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019 لا تزال مستمرة، بالرغم من أن وتيرتها ارتفعت، إلا أنها لا تزال ضمن معادلة عدم السماح بالسقوط التام.
بكل بساطة، هناك من قرّر إبقاء لبنان "مكسوراً ومريضاً"، ولكنه قرّر أيضاً عدم قطع الأوكسيجين عنه بشكل كامل وإعلان وفاته.