لم يكن ملف تأليف الحكومات يوماً في لبنان أولوية شعبية كما هو الإهتمام اللبناني الحالي بمسار تأليف الحكومة العتيدة. لا يرتبط الأمر بالإعجاب بتجربة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، بقدر ما هو توق اللبنانيين لمغادرة حكومة حسان دياب التي طبعت إسمها في تاريخ لبنان: حكومة النكبة.
يمكن مراجعة أقوال وأفعال تلك الحكومة في زمن اصالتها ثم خلال مهمة تصريف الأعمال. لا هي تصرّفت بحكمة قبل هروب وزرائها ثم إستقالتها، ولا هي صرّفت أي أعمال بمسؤولية بعد "إقالتها". صارت تُعرف بحكومة تعطيل الأعمال، بغياب التصريف الذي تقصدّه رئيسها لأسباب شخصية: هل صحيح ان دياب ينوي الترشح في الانتخابات النيابية في بيروت، وهو يسعى لكسب ود البيئة الاسلامية السنّية وخصوصا دار الفتوى، وعدم مشاكسة الحريري حكوميا وسياسيا؟.
عندما تألفت حكومة دياب، هناك من أُعجب بخطاب رئيسها الذي حاول أن يكرر تجربة رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص. ثم إنكشف الأداء الذي إنحصر بعقد اللجان. يومها قيل أن دياب هو رئيس اللجان الحكومية لا رئيس حكومة: ماذا انتجت اللجان؟ لا هي قدّمت رؤى إنقاذية، ولا نفذّت سياسات إصلاحية. بالتزامن، كان البلد ينهار بسرعة لافتة. هل حاولت الحكومة الحد من الإنهيار؟ اساسا هي عاجزة عن فرملة التدهور بكل إتجاه سياسي ومالي وإقتصادي معيشي. لم يستطع أن يزور دياب أي بلد شقيق او صديق او حليف. يقال هنا انه كان بإمكان رئيس الحكومة المحسوب نظرياً على "محور المقاومة" أن يسعى لدى عواصم ذلك المحور بدءاً من دمشق، لإيجاد تسهيلات يستفيد منها اللبنانيون، لكنه لم يفعل. هو إمتنع عملياً عن الإقدام نحو الشرق، وبالتالي رفض كل الطلبات والنصائح والتمنيات التي وُجهت له في هذا الإطار. يُقال أن رئيس حكومة تصريف الأعمال كان يسعى من خلال الإمتناع المذكور أن يفتح ابواب عواصم خليجية وغربية، لكنها بقيت مغلقة، رغم محاولة مقربين منه قرع تلك الأبواب، فلم يحصلوا على أي اشارة أو جواب.
هنا كان لبنان يدفع ثمناً إضافياً بإتجاهين، نتيجة حسابات خاصة لرئيس حكومة قارب المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه من زاوية طموحاته ومصالحه. لذا، توسعت مساحات الأزمة القائمة إلى حد النكبة التي يعيشها اللبنانيون.
لم يتعاط أي صديق للبنان مع حكومة دياب، بدليل تصرف الدولة العراقية التي أبدت كل التعاطف والود لكل اللبنانيين عبر زيادة التقديمات النفطية، بينما لم تفتح بغداد بابها لرئيس حكومة لبنان. هذا دليل واضح بشأن خفّة الحكومة الحالية. لم يسبق أن شهد لبنان تلك الخفّة في أي حكومة حلّت منذ الإستقلال.
من هنا، فإن المسؤولية تقع على عاتق القوى السياسية لتأليف حكومة إنقاذية، وإعادة هيبة الحكومة اللبنانية في الداخل والخارج. لا يمكن ترك البلد تحت رحمة حكومة تعطيل الأعمال.
الم يلاحظ السياسيون ان الشعب كان يطالب بحكومة ذات مواصفات لإنجاز الإصلاحات ومكافحة الفساد، وصار كل هم الناس هو تأليف أي حكومة؟