أكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، أن "بلدنا بأمس الحاجة إلى تضامن، إلى شراكة، إلى خطاب واحد، إلى برامج ومشاريع إغاثية وطنية، بعيداً عن النزعات الطائفية والمذهبية الحمقاء، والصراعات السياسية والحسابات الانتخابية السوداء، لأن الخالق واحد، والوطن واحد، والمظلومية واحدة، والجوع واحد، والبؤس واليأس والفقر والانهيار الشامل أصاب إنساننا وطوائفنا، ولم يفرّق بين مسلم ومسيحي. ولذلك أيها الإخوة المؤمنون، أيها الإخوة اللبنانيون، إن المطلوب أن نتضامن بعيداً عن لغة الزواريب والطائفية، والتفاصيل السياسية والحسابات الانتخابية".
ولفت قبلان إلى أنه من الضروري "أن تشكّل مظلومية شعبنا وناسنا مادة عمل النقابات المهنية، كممثل غير طائفي لبلد يجري ذبحه بسكين محتكري المستودعات والسلع والدواء والبنزين والمازوت وعصابات التجارة والدولار، وإلا فإن الجميع مهدد، والكارثة ستكون أشدّ بمائة مرة من مجاعة 1915، وكذلك ما حصل من أزمات في العالم في القرن الماضي. ما يحصل اليوم يتصدّر أسوأ ظاهرة اقتصادية، ما يعني أننا أمام كارثة غير مسبوقة، وأشبه بعصف لم يصل بعد إلى الذروة، والآتي سيكون أسوأ وأعظم، في ظل لعبة سياسية ظالمة وشنيعة، ليس لها مثيل، في بلد بات مكشوفاً على الجوع والبؤس والفقر والبطالة والموت، وتحت رحمة منظومة سياسية صادرت الوطن، واسترهنت الناس خدمة لنزواتها وشهواتها".
وتابع :"شعبنا يجوع، ومشروع دولتنا ينهار، ولقمة عيشنا مصادرة، وحبة الدواء رهينة مزاج طبقة فقدت الحد الأدنى من الحس الإنساني والأخلاقي والوطني، فيما المطلوب إنقاذ البلد من لعبة القمار هذه، اليوم قبل الغد. وعلى حكومة تصريف الأعمال أخذ قرارات جريئة تتناسب مع الكارثة الوطنية، ويمكنها ذلك عن طريق قانونية كل القرارات والمراسيم التي يفرضها حجم الكارثة الوطنية، والتي لا تحتاج إلى أي غطاء، سوى إلى موقف شجاع وجريء، بعيداً عن الحسابات الضيّقة، لأن منطق الأوطان يفترض قرارات شجاعة تكون بحجم وطن".
وأما بخصوص تأليف الحكومة، أكّد المفتي قبلان "أنها طبخة بحص، لأن المعنيين بهذا الأمر لا يبحثون عن مصلحة الناس، ولا يهمهم مصير البلد، ولا يعنيهم هذا الواقع المرير والمذلّ، ولا كل هذا الفقر الذي يؤشّر إلى انفجار اجتماعي أصبح قريباً، فالبطالة تزحف نحو آخر بيت، والانحدار نحو القعر سريع ومخيف، وأزمة المحروقات قد تحرق البلد من دون بنزين، وطوابير الذل أسوأ من صاعق تفجير، والجوع يلتهم بقية الأمن، واحتكار الدواء والغذاء أخطر عدوان يمارسه خونة الداخل، والشحّ بمادة المازوت سبب رئيسي لدمار ما تبقى من القطاع الصناعي والزراعي، وانهيار الليرة حوّل الأسواق إلى جهنم، ولعبة وقف الدعم دون داعم إغاثي بمثابة إطلاق النار على رؤوس الناس؛ كل هذه الصورة القاتمة، تحت إشراف طبقة سياسية همّها مصالحها واحتكارها، همها السلطة والتسلّط والعدوان اليومي على الناس، وتدمير ما تبقى من مؤسسات الدولة، وهي مستمرة في إحراق البلد، وإيصال اللبنانيين إلى بئس المصير، على الرغم من كل الجهود الخيّرة والمبادرات المباركة".
وحذّر قبلان "من مغبّة هذا المخطط الجهنمي، وندعو إلى وقف دكاكين السمسرات السياسية، والخروج من عقدة الشروط، فلعبة المصالح يجب أن تتوقف قبل انفجار البركان"، مؤكّداً "على دور الجيش، فنحن معه وإلى جانبه، ولكنه ليس بديلاً عن الحل السياسي، ولن يكون. وعلى الدول الشقيقة والصديقة وبخاصة فرنسا التي ترغب في مساعدة اللبنانيين أن تقف إلى جانبهم في هذه المحنة، وأن تمدّ يد المساعدة إلى الوزارات العامة، لأن حماية الاستقرار، وتعزيز الأمن، يبدأ بدعم خدمات الدولة التي باتت اليوم شبه مشلولة، وربما غائبة كلياً، وبقيام حكومة إنقاذ بأسرع وقت ممكن، لأن الأمور لامست الخطوط الحمر ولم تعد تحتمل المزيد من المناورات السياسية والمزايدات الطائفية".