لفت رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إلى أنّ "الحكومة اللبنانية قد لجأت، في سياق متّسم بالأزمات المتعدّدة الأوجه الّتي هزّت بلدنا، إلى المنظّمات الدوليّة والدول الصديقة طلبًا للمساعدة. والواقع أنّ منظمة الأمم المتحدة كانت سريعة الاستجابة لنداءاتنا المختلفة. فالثقة الكاملة والمتبادلة تقع في صلب العلاقة الوثيقة القائمة بين الأمم المتحدة ولبنان، الّذي يعدّ أحد مؤسّسي الأمم المتحدة ولاعبًا رئيسيًّا في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
وأوضح، خلال رعايته إطلق برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان، مؤتمر ملف بيروت، في السراي الحكومي، أنّ "في الواقع، تتجسّد هذه الثقة في جميع مجالات أنشطة الوكالات الأمميّة، سواء في الجنوب للحفاظ على السلم والأمن الدوليَّين أو في جميع أنحاء لبنان، لتعزيز التنمية والتعافي"، مبيّنًا أنّ "في خطوة أُخرى على مسار التعافي الشاق والطويل، أنتج برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة التقرير المعنوَن ملف مدينة بيروت الّذي يسعدني الاحتفال بإطلاقه، تمامًا كما كنّا ممتنّين لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF)، الّذي شكّل استجابةً متعدّدةً الجهات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، لتلبية احتياجات اللبنانيّين في أعقاب انفجار مرفأ بيروت".
وركّز دياب على أنّه "في حين أنّنا نسعد لمساهمة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية هذه، إلّا أنّه لا ينبغي اعتبار الاستنتاجات الّتي خلص إليها تقرير ملف مدينة بيروت وكذلك إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، عناصر متباينة ومتضاربة، بل وعلى غرار الحقوق المدنيّة والسياسيّة من جهة والحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة من جهة أخرى، أعتقد أنّ هذه الاستنتاجات غير قابلة للتجزئة وتكمل بعضها البعض".
وذكر أنّ "في هذا التقرير، تصوّر بيروت على أنّها "عاصمة في حالة أزمة... بدلًا من اعتبارها تواجه أزمات متعدّدة". إنّ وضع بيروت المحفوف بالمخاطر لا يعزى فقط إلى الصدمات الأخيرة الّتي أثّرت بشدّة على سبل عيش اللبنانيّين، ولكن أيضًا إلى الحواجز الهيكليّة المتجذّرة منذ وقت طويل، والّتي ظهرت على نطاق المدينة وخارج الأحياء المحيطة الّتي تضرّرت تماديًا من الانفجار". ورأى أنّ "من هنا، لا عجب أن يركّز تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة على بيروت بحدّ ذاتها، وبالنظر إلى أنّ الأغلبيّة العظمى من اللبنانيّين يقيمون في المدن وفي المقام الأوّل في العاصمة، الّتي يُعتبر مرفأها القلب النابض لكلّ لبنان. وعليه، وبناءً على تعريف برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة "UN-Habitat"، إنّ المنطقة الحاوية لبيروت ومحيطها المبني، موضوع الدراسة، تضمّ 31 بلديّة تفتقر إلى البيانات الدقيقة والمحدّثة والعابرة للقطاعات والمفصلة".
كما شدّد دياب على أنّه "في حين أنّني لا أستهين بالهواجس الواردة في تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشريّة، إلّا أنّني أودّ، من باب توخي الوضوح، أن أبدي الملاحظات الآتية:
1- لقد تأّلفت حكومتي من وزراء تكنوقراط في أعقاب انتفاضة تشرين الأوّل 2019 واستجابةً لصيحات الشعب اللبناني. لقد بدأنا عمليّة الإصلاح على أساس خطّة رئيسيّة للتعافي المالي والاقتصادي والاجتماعي والإصلاحات الهيكليّة الّتي اعترف المجتمع الدولي بمزاياها. غير أنّ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 شكّل نقطة تحوّل في عمر الحكومة، حيث أنّني تقدّمت باستقالة حكومتي لتشكيل حكومة تحظى بتأييد أوسع مروحة من القوى السياسيّة.
2- اليوم، قد أصبح جليًّا أنّ مهمّتنا لم تقتصر على الأزمات غير المسبوقة والمتزامنة والمتعاقبة، بل تضمّنت أيضًا إرثًا مثقلًا بسوء الإدارة والمشاكل الّتي طال أمدها.
3- في جميع الديمقراطيّات، تعدّ الاختلافات المفاهيميّة أمرًا طبيعيًّا في مجتمع نابض بالحياة ومتنوّع. ومع ذلك، فإنّها تصير أكبر وأكثر بروزًا في ظلّ ظروف شاقّة. وعلى الرغم من واقع الحال، إلّا أنّني على يقين أنّ اللبنانيّين قادرون على تجاوز الخلافات وترسيخ التفاهم. إنّ الخلافات اللبنانية غير عصيّة على الحلّ، غير أنّه يتمّ استغلالها مع الأسف، لتحقيق مآرب سياسيّة. وأنا أتّفق تمامًا مع برنامج الأمم المتحدّة للمستوطنات البشريّة حول أنّ "الفترة الّتي أعقبت انتفاضة تشرين الأوّل 2019 والتضامن الّذي تظهّر بعد انفجار 4 آب، يظهران كيف أنّ الناس اجتمعوا لمواجهة الصعوبات الشديدة. وكم كانت مثيرة للإعجاب قدرة المتطوّعين على التعبئة والعمل على الأرض في أعقاب الانفجار مباشرةً". علاوة على ذلك، أنا مقتنع بأنّ هذه الظروف شكّلت قوّة دفع تكشّفت من خلالها روح الوحدة لدى الشعب اللبناني.
4- في حياتي الأكاديميّة والعامّة، اعتمدت مبدأين إرشاديّين هما الشفافيّة والمساءلة. ولديّ اعتقاد راسخ بأنّهما يشكّلان الطريق الثابت نحو تعافي لبنان. ولتسريع مسار التعافي، أكرّر الدعوة إلى السياسيّين اللبنانيّين لوقف الخلافات وتشكيل حكومة جامعة على وجه السرعة، مواصلة الإصلاحات الّتي بدأتها حكومتي".