سنعالج في هذا المقال البند الثالث من خطة الخروج من الأزمة (التي نشرت في جريدة «الجمهورية» في 29 أيار 2021 https://www.aljoumhouria.com/ar/news/597595) وهو تغيير كافة الإجراءات الادارية والرسمية المعمول بها في لبنان، من رخَص ومعاملات وإنشاء شركات وترخيص... هذا ضروري لتحفيز الاستثمار وتفعيل البيئة الانتاجية والخروج من البيروقراطية القاتلة. كما إعادة تقويم القطاع العام وتقليصه بما يتناسب مع الفعالية، والتخلّص من كل فرَص العمل الوهمية، والتي تكبّد الاقتصاد أعباء كبيرة، وتأمين بدائل للموظفين عبر تدريبهم ومنحهم وظائف منتجة ملائمة.
فمَن منّا لم يُعان في ملاحقة معاملة رسمية؟ ومن منّا لم يحاول ان يفهم كيف يتم الاستحصال على بعض الرخص وكلفتها الحقيقية والخطوات والوقت اللازم لها؟
من منّا لم يقف حائراً امام كمّ الرسوم غير المفهومة؟ ومن منّا لم يلجأ الى سمسار ليتخلص من عذاب ملاحقة المعاملات الرسمية؟
ألم تتساءلوا لماذا رخصة البناء في لبنان تتطلب أشهر عمل وتتطلب رشاوى وحلوينات؟
هل حاولتم تخليص مستوعب من مرفأ بيروت؟ أو حاولتم إقفال شركة أو تأسيس شركة؟ هل زرتم الضمان الاجتماعي وزواريبه؟
هذه أمور متعبة للمواطن اللبناني، فكيف سيكون أثرها على المستثمر الذي ينوي تأسيس عمل في لبنان؟ هذه البيروقراطية كلّفتنا كثيراً من الفرص الاستثمارية، فلم نتمكن من اجتذاب الاستثمارات الانتاجية المهمة.
اليوم يصل حجم الرشى عند إجراء المعاملات الروتينيّة في لبنان إلى أرقام مخيفة، لا يجوز تجاهلها وتجاهل كلفتها المباشرة وغير المباشرة، المتمثّلة في هدر الوقت والطاقات وزيادة الأكلاف الاقتصادية.
لذلك، يجب العمل سريعاً على تغيير الاجراءات وخَلق قطاع عام منتج وفعّال، وأقترح تعيين لجان مختلطة من القطاعين العام والخاص لوضع الاقتراحات اللازمة لتطوير عمل كل إدارة عامة ومرفق عام بما يتناسب مع الاقتصاد المعاصر، وتضع اللجان اقتراحاتها علناً على موقع مفتوح على الانترنت يستطيع الجميع الدخول إليه (وهذه بداية للشفافية التي نذكّر بها دائماً) مع تقديم مقارنة عن الواقع وبين ما هو مقترح، ليتمكن المواطن من الاطلاع على الواقع والحلول المقترحة، كما يتمكن كل مهتمّ من وضع ملاحظات واقتراحات للوصول الى أفضل الصيَغ.
والأهم انّ تحقيق ذلك لن يكون فعّالاً اذا لم يتم تطبيق قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، فالشفافية تمكّن الجميع من المشاركة في عملية وضع الاجراءات الجديدة ومراقبة تطبيقها.
كما يمكن الاستعانة بالاجراءات التي تعتمدها الدول الاكثر فعالية في الاعمال، فمثلاً الامارات العربية احتلت المركز الاول عربياً في تقرير مؤشر الاعمال، امّا نيوزيلندا فتصدّرت عالمياً حيث بلغت كلفة تأسيس شركة صفراً، فيما سنغافورة احتلت المركز الثاني عالمياً.
المحزن انّ لبنان يملك كثيراً من المقومات والفرص ولكن تكبّله إجراءات من العصر الحجري مصمّمة لتشجيع السمسرات والرشاوى، اذا لم ننتقل سريعاً الى إجراءات حديثة سنبقى نتفرّج على ضياع الفرص الاستثمارية المهمة.
إحتلّ لبنان المرتبة 143 من أصل 190 دولة في تقرير سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، وقام لبنان بإصلاحٍ واحد لتحسين مناخ الأعمال في السنوات الخمس الماضية و7 إصلاحات منذ بدء إصدار تقارير ممارسة أنشطة الأعمال عام 2003. وهو يحتل المرتبة 143 عالمياً، وأداؤه ضعيف خصوصاً في مجالي بدء النشاط التجاري وإصدار تراخيص البناء، وتراجَع من المرتبة 104 في العام 2014 الى المرتبة 143 في 2020. ويدرس نحو 11 مؤشراً من المؤشرات المرتبطة مباشرة بممارسة الأعمال، ومنها سهولة تأسيس الأعمال والقوانين المنظمة لسوق العمل، إضافة إلى استخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، وتسجيل العقارات والممتلكات، فضلاً عن الحصول على القروض المصرفية، وحماية صغار المستثمرين، وأيضاً التجارة بين الحدود، ودفع الضرائب، وحلول الإفلاس، وفرض العقود.