شكل تأجيل الاجتماع الذي كان مقررا عقده بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة برعاية مصرية قبل ثلاثة ايام مفاجأة من العيار الثقيل، وفتح الباب على تساؤلات كثيرة عن حقيقة العلاقة بين حركتي "فتح" و"حماس"، وهل عادت الى المربع الاول من الخلافات بعدما كان متوقعا طيّها والتوافق على خارطة طريق ورؤية موحدة للتحرك الوطني في المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني بالضفة والقطاع والقدس؟!.
تأجيل الاجتماع بطلب مصري رسمي دون اعلان الغائه، كشف عن خلافات متفاقمة بين حركتي "فتح" و"حماس" على غالبية الملفات الساخنة: بدءًا من انهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي مرورا بالانتخابات على انواعها التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وصولا الى اعادة اعمار غزة، على عكس كل المواقف السياسية التي أوحت بالتلاقي وتعزيز الوحدة في اعقاب العدوان الاسرائيلي على غزة الذي دام 11 يوما حيث سقط 254 فلسطينيا وأكثر من 1900 جريحا، ولعبت مصر دورا بارزا في التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار.
وكشفت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان الشروط المتبادلة بين الحركتين حالت دون انعقاد الاجتماع، ما أعاد الحوار خطوات الى الوراء بدلا من التقدم الى الامام، وأبرزها:
اولا: وجهت مصر دعوتين الى الحركتين لعقد لقاء ثنائي في القاهرة والتوافق على كل العناوين قبل موعد الاجتماع الفلسطيني الموسع يومي السبت والاحد الماضيين، فحضر وفد من فتح" برئاسة المشرف على ملف المصالحة اللواء جبريل رجوب ووفد من "حماس" برئاسة رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية، غير ان الاخيرة طلبت لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصيا، الذي ردّ بانه رئيس دولة فلسطين ورئيس لكل الشعب الفلسطيني وليس لحركة "فتح" فقط، وانه يمكن محاورة وفد الحركة الموجودة في القاهرة والمكلّف منه والمخوّل بصلاحيات واسعة، فرفضت "حماس"، وجرت مفاوضات غير مباشرة بين الوفدين عن طريق المخابرات المصريّة، وكان ذلك بداية التعثر خلافا للقاءات ثنائية عقدت سابقا في بيروت وتركيا والقاهرة.
ثانيا: طلبت "حماس" توسعة المشاركة الفلسطينية لتشمل كافة الفصائل بعد استبعاد عدد منها سابقا لانها غير منضوية في اطار "منظمة التحرير الفلسطينية"، ولدت في زمن الانقسام الفلسطيني وهم ينتمون الى تحالف القوى الفلسطيني الذي تدعمه سوريا، أي كان الامر مقتصرا في الحوارات السابقة على 14 فصيلا، فجرى التوافق على التوسعة ليشمل 18 فصيلا، وتمّت توجيه دعوات مصرية اليها للمشاركة بوفد مؤلفا من ثلاثة مسؤولين برئاسة الامين العام.
ثالثا: أبلغت حركة "فتح" تمسكها بموقفها الثابت بعدم اجراء الانتخابات التشريعيّة بدون القدس، بينما اصرت "حماس" على اجرائها، ثم اجراء الانتخابات الرئاسيّة ثم المجلس الوطني خلال ثلاثة اشهر، وعلى قاعدة المناصفة فيه وفي اللجنة التنفيذيّة والمجلس المركزي لمنظمة التحرير والسفارات في العالم، بما يعني ان مرحلة ما بعد العدوان الاسرائيلي على غزة ليس كما قبله.
رابعا: تمكست "فتح" بقيام السلطة الوطنية بالاشراف على اعادة اعمار غزة في كافة التفاصيل تسهيلا وتسريعا لبدئها، سيما وان الاوضاع باتت اسوأ من ذي قبل، حيث منعت "اسرائيل" دخول الاموال القطرية (30 مليون دولار شهريا) وربطتها بانجاز ملف الاسرى، وضيقت من مساحة الصيد البحري الى 6 ميل وقللت من الكميات المسموح لها الدخول في اطار تضييق الخناق الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي على الناس وتقليب الرأي العام، بينما أصرت "حماس" على الاشراف عليها او مشاركة السلطة في مراحلها، سيما وان تعاطفا دوليا سيساعد في ذلك.
وامام هذه المستجدات، قررت القاهرة ان تقوم بمرحلة لاحقة بتذليل العقبات واحدة تلوى الاخرى، الى ان يتم التوصل الى توافق جديد، سيما انها تلعب دورا محوريا في دعم القضية الفلسطينية ووقف الاعتداءات الاسرائيلية وانجاز ملف المصالحة، اذ سبق لها ورعت جولات من الحوار وآخرها الجولتين في (8-9) شباط، والثانية (16-17) اذار، وقد خلصا الى اتفاق فلسطيني على اجراء الانتخابات بالتوالي: التشريعية (22 أيار) والرئاسية (31 تموز)، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، ويتم استكمال انتخاباته (31 آب)، غير ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عاد وأصدر قرارا بتأجيل الانتخابات (29 نيسان) بسبب عدم سماح الاحتلال الاسرائيلي بإجرائها في القدس، ما اثار اعتراضا واستياء حركة "حماس" والبعض من الفصائل الفلسطينية، قبل ان تشن "اسرائيل" عدوانا عسكريا على غزة (10 ايار)، بعد محاولة منع المقدسيين من دخول "المسجد الاقصى" وإخلاء حي "الشيخ جراح" من قاطنيه.
وفي العام 2011، شارك 14 فصيلا فلسطينيا في الحوار الوطني في القاهرة ووقعوا اتفاق المصالحة في القاهرة وتضمن ملف الحكومة وملف الأمن والانتخابات ومنظمة التحرير والحريات العامة الذي يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وملف المصالحة المجتمعية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطينى بالضفة والقطاع والقدس.
وفي العام 2017 وقع وفدا حركتي "حماس" و"فتح" على اتفاق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام برعاية مصرية، وذلك بعد سلسلة اجتماعات بينهما لبحث ملف المصالحة، حيث اتفقت الحركتان على إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطنى، من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة، فى إدارة شؤون قطاع غزة، كما فى الضفة الغربية، بحد أقصى يوم الأول من كانون الأول 2017، مع العمل على إزالة جميع المشكلات الناجمة عن الانقسام.
يذكر ان الانقسام الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس"، بدأ بعد سيطرة الأخيرة على قطاع غزة عام 2007، ما ادى الى شلل المجلس التشريعي، وعدم حصول انتخابات أخرى.