تتجه منطقة الشرق الأوسط الى خلط أوراق متعددة الأوجه في الاشهر القادمة وذلك مرتبط الى حد بعيد بالتغيّر في الأولويات العالمية وخاصة التغير في الأولويات الأميركية بعد رحيل ترامب عن البيت الأبيض، وبعد استشعار الغرب بشكل عام خطورة سيطرة اليمين على الحكم في تلك البلدان والتحولات التي يمكن أن تنشأ عن ذلك.
ويبدو من نتائج قمة السبع أن الدول المشاركة وعلى رأسها الولايات المتحدة تعطي الأولوية لإحتواء الصين، ولذا وضعت خطة طموحة لمنافسة الصين في مشروع تنموي للبنى التحتية سمي الشراكة من أجل "إعادة بناء عالم أفضل" (B3W)، وسيتم دفع ما يزيد على 40 تريليون دولار لهذا الغرض. والأهم، إن المناطق المستهدفة بالتنمية تلك هي الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل في العالم، وبالأخص في "أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، بالاضافة إلى أفريقيا ومناطق المحيطين الهندي والهادئ"، بحسب بيان البيت الأبيض.
ماذا يعني هذا؟
إن عدم ورود منطقة الشرق الأوسط في مشروع الشراكة وتمويل البنى التحتية للدول النامية، يعني أن المنطقة لم تعد في سلم أولويات الدول الفاعلة، وعليه إن الأمن في المنطقة سيكون عرضة لتلزيمات لدول إقليمية فاعلة، تؤمن الاستقرار فيها وتمنع الفوضى من أن تتمدد وتصل الى أوروبا، أو أن تؤدي الى مشاغلة الأميركيين في منطقة استنزفتهم منذ عام 2001 ولغاية اليوم.
واللافت أن انخراط الأميركيين في الحرب على الارهاب، وتوجيه قدراتهم نحو الشرق الأوسط تزامن مع دخول الصين الى منظمة التجارة العالمية (2001). هذا الانخراط الأميركي الطويل الأمد في الشرق الأوسط سمح للصين بزيادة قدراتها الاقتصادية والمالية، وصعودها الى مرتبة المنافس الجدي والحقيقي للولايات المتحدة الأميركية.
وعليه، سيكون على الأميركيين، وفي عزّ انشغالهم باستراتيجية احتواء الصين، أن يقوموا بترتيبات تؤمن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتحفظ لهم مصالحهم، بدون انخراط تام، وقد بدأت مؤشرات التغيير تظهر، وذلك على الشكل التالي:
- التغيرات في اسرائيل، وسقوط نتنياهو الذي استمر في محاولة دفع الأمور الى حرب في المنطقة، ومحاولة الهروب الى الامام بعدوان على ايران، أدى الى استياء أميركي كبير. وكان واضحاً منذ وصوله أن بايدن لا يستسيغ نتنياهو (صديق ترامب وبوتين).
وهكذا، توحدت التناقضات في حكومة اسرائيلية جديدة وأسقطت نتنياهو الساعي الى الحفاظ على سلطته عبر الحروب ودفع المنطقة الى عدم الاستقرار. ولا يستبعد أن يكون هناك مساهمة أميركية في إسقاطه.
- الانتخابات الإيرانية، والتي – على ما يبدو- سوف تؤدي الى وصول المحافظين الى السلطة. وبالرغم من ذلك، فإن الأولوية ستكون للتفاوض على إزالة العقوبات قبل أي تفاوض جديد، وهو ما بدأت تباشيره تظهر بإعلان الرئيس روحاني في 23 أيار / مايو الماضي، ان الاتفاق تمّ في فيينا على إزالة العقوبات الأميركية عن قطاع النفط والبتروكيميائيات والمصرف المركزي الايراني، وستليها رفع للعقوبات المتبقية والتي فرضها ترامب بصورة آحادية.
- إنهاء حرب اليمن، والسير نحو حلّ سياسي يقدم فيه الجميع تنازلات مقبولة ومعقولة، وتعكس ميزان القوى على الأرض.
- عودة سوريا الى الجامعة العربية بما يعني تحفيف الحصار المطبق عليها مرحلياً، والسماح بعودة اللاجئين، والبدء بمسيرة الاعمار ولو تأخر الحلّ السياسي النهائي.
- أما في لبنان، فإن نضوج الظروف الاقليمية سوف تؤدي الى اعتذار الحريري والوصول الى تسوية تأتي بحليف للسعوديين (ومقبول من جميع الأطراف) كرئيس لحكومة وحدة وطنية، تقوم بوضع مسار لتحقيق الاصلاحات اللازمة المطلوبة من الدول المانحة وصندوق النقد الدولي.
هذه التسويات المرحلية سوف تؤدي الى حصول استقرار نسبي في المنطقة، وستؤدي الى ارتياح معقول لدى شعوب المنطقة، بعد 4 سنوات عجاف، تعرّض فيها لبنان وسوريا والعراق واليمن وايران والاردن وغيرها الى حرب تجويع حقيقية، لم تؤدِ الى تحقيق اي من الأهداف التي وضعتها إدارة ترامب.
لكن، بالتأكيد إن نضوح تلك الترتيبات التسووية يحتاج الى بعض الوقت لكي تتبلور ملامحه النهائية خاصة في ظل محاولة الأطراف تحصيل أوراق قوة إضافية قبل الوصول الى طاولة المفاوضات، والسعي من قبل الدول الاقليمية الفاعلة الحصول على الحصة الأكبر من تلزيمات الاستقرار الأمني المنشود بما يزيد من نفوذها في المنطقة.