في خلاصة الأزمة الحكومية، منذ إنطلاق مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يبدو أن الأمور لا تزال عالقة في مكانها. حيث لم ينجح، رغم الجهود التي يبذلها مدعوماً من "حزب الله"، إلا بالوصول إلى تهدئة إعلامية، لم تدم طويلاً، بين كل من "التيار الوطني الحر" وتيار المستقبل".
في بداية الاسبوع الماضي، كان رئيس المجلس النيابي قد حدد مهلة اسبوع، لكن في بداية الحالي ذهب إلى تأكيد أن مبادرته مستمرة بسبب غياب أي بديل عنها، رافضاً البحث في خيار إعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بسبب عدم توفر البديل. في حين كان الأخير قد عمل على رفع "فيتو" مذهبي أمام أي خيار آخر لا يحظى بموافقته، الأمر الذي يفرض معادلة: لا تأليف ولا اعتذار، وبالتالي الأزمة مستمرة إلى ما شاء الله.
إنطلاقاً من ذلك، ترسم مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، مجموعة من السيناريوهات لمسار الأزمة، حيث تؤكد أن الخيار المستبعد، على الأقل حتى الآن، هو الذهاب إلى اتفاق على تشكيل الحكومة، بينما هناك سباق بين الخيارين الآخرين: أي اعتذار رئيس الحكومة المكلف أو بقاء الأمور على ما هي عليه، على وقع الاستمرار في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وربما الإنتقال إلى ما هو أبعد من ذلك بسبب إرتفاع مستوى التوترات الطائفية والمذهبية.
بالنسبة إلى فرضية اعتذار رئيس الحكومة المكلف عن المهمة، ترى المصادر نفسها أنها من المفترض أن تترافق مع استقالة من المجلس النيابي، لا سيما إذا ما وجد "المستقبل" مصلحة له في الذهاب إلى هذا الخيار، لكنها تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول إمكانية أن يذهب الحريري إلى خيار يضعه في صدام مع كل من "حزب الله" و"حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، خصوصاً أن تريثه في الإقدام على هذه الخطوة، بحسب ما بات معروفاً، يعود إلى إتفاق مع بري.
على صعيد متصل، تعتبر هذه المصادر أن خيار موافقة رئيس الحكومة المكلف على تسمية شخصية أخرى لرئاسة الحكومة غير وارد، خصوصاً بعد الدعم الذي حظي به على المستوى الطائفي، وهو بالتالي قد يستفيد من هذا الأمر لسحب الشرعية الطائفية عن أي مرشح قد يوافق على تولي المهمة، لا سيما مع بروز اسم النائب فيصل كرامي.
بناء على ما تقدم، ترجح المصادر السياسة المطلعة بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم، في حين ترى أن المحرك الوحيد لحالة الستاتيكو قد يكون تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية بشكل يقود إلى فوضى في الشارع، الأمر الذي يفتح الباب أمام طروحات جديدة من خارج المعادلة القائمة.
هنا، تتحدث هذه المصادر عن سيناريوهين أساسيين: الأول هو الاتفاق على تشكيل حكومة تكون مهمتها الاشراف على الانتخابات النيابية، سواء كانت مبكرة أو في موعدها، على أساس أن تكون من غير المرشحين لتلك الانتخابات، أما الثاني فهو خيار المرحلة الانتقاليّة، التي يكون فيها للجيش دوراً أساسياً، على اعتبار أنه المؤسسة القادرة على ضمان اجراء تلك الانتخابات من جهة، وعلى ضمان الحفاظ على الحد الأدنى المطلوب من الاستقرار من جهة ثانية.
بالتزامن، ترى المصادر نفسها أن ما ينبغي التوقف عنده هو مؤشرات إحتمال أن يكون هناك إدارة دولية للإنهيار الحاصل في البلاد، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكورن أول من ألمح لها، عبر الحديث عن آلية دولية لضمان إستمرار الخدمات العامة في لبنان، وهي لا تنفصل بأي شكل من الأشكال عن المساعي التي تبذل لتأمين الدعم للمؤسات الأمنية والعسكرية، للحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار.
في المحصلة، يمكن الجزم بأن لبنان أمام فشل على المستوى المحلّي يمنع الإتفاق على تشكيل حكومة تحدّ من سرعة الإنهيار قبل البدء في معالجة تداعياته، مقابل حرص دولي على منع الوصول إلى الفوضى الشاملة، على الأقل حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، الأمر الذي يوحي بأنّ التدهور الحاصل على المستويين الإقتصادي والإجتماعي قد يكون مطلباً أو أداة تستخدم من قبل العديد من الجهات المحلية والخارجية.