انضمّ "تفاهم مار مخايل" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" إلى لائحة "الضحايا المفترضين" لأزمة تأليف الحكومة في لبنان، مع بروز مؤشّراتٍ متقاطعة في الساعات القليلة الماضية إلى وجود "خلل حقيقيّ" في جوهر العلاقة بين الجانبين، وسط "امتعاض" شبه مُعلَن من فريق "العهد" من أداء "حليفه" الأول، وربما الوحيد الصامد.
ولعلّ ما نُسِب لرئيس الجمهورية ميشال عون من كلامٍ ينتقد فيه "حياد" الحزب، مستشهدًا بمقولةٍ للإمام علي مفادها أنّ "المحايد خذل الحق ولم ينصر الباطل"، يكفي لاختصار "بيت قصيد" الخلاف، وهو أنّ "العونيّين" ينتظرون من "حزب الله" موقفًا صارمًا متضامنًا، لا انكفاءً على الطريقة "الوسطيّة" التي لطالما حاربوها وهاجموا متبنّيها.
أكثر من ذلك، ترافق كلام عون المُسرَّب مع بيانٍ "ناريّ" لرئاسة الجمهورية، فُسّر على أنّه تصويبٌ مباشر على "وساطة" رئيس البرلمان نبيه بري، الذي لا يخفى على أحد أنّ "العونيّين" ينظرون إليه بوصفه "خصمًا" لا "وسيطًا"، في وقتٍ لا تزال تخرج من رحم فريق "العهد" انتقاداتٌ صريحة للحزب، يتمّ تصويرها وكأنّها "عفويّة وغير منظّمة".
انطلاقًا من كلّ ما سبق، يقرأ كثيرون رسائل "مشفّرة" يوجّهها "العونيّون" بوضوح إلى قيادة "حزب الله"، عنوانها الحسم، فمعادلة "الحياد" لم تعد تنفع في ظلّ المعطيات الحالية، ولا بدّ من تحديد التموضع، وفق قاعدة "إما أبيض أو أسود"، ولا مجال للدمج بين الإثنين، تحت أيّ ظرف من الظروف!
"امتعاض" شبه مُعلَن
يوم قطعت قناة "OTV" التابعة لـ"التيار الوطني الحر" بثّ كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله الأخيرة، سارع المعنيّون إلى احتواء "الضجّة" التي أثارتها الخطوة، عبر نفي أيّ "أبعاد سياسيّة" لها، وربطها بـ"الضرورات الإنتاجيّة" ليس إلا، مع التأكيد على أنّها ليست المرّة الأولى التي يُعمَد فيها إلى قطع الكلمة، لصالح متابعة البرمجة المقرّرة.
في عالم الإعلام، قد يكون مثل هذا التبرير واقعيًا ومنطقيًا ودقيقًا، ولكن في عالم السياسة، حيث تغيب صفة "البراءة" بالمُطلَق، فهو لا يبدو أكثر من "ذريعة" استُخدِمت على هامش "الرسالة" التي أراد المعنيّون في "التيّار" إيصالها إلى قيادة "حزب الله"، والتي أعقِبت بسلسلة تصريحات لبعض الوجوه "العونيّة" التي أعطيت المنابر للتصويب على "الحزب" بشكلٍ لم يسبق له مثيل، ومن دون أن تعنى قيادة "التيار" بالتنصّل من مضمون كلامها كما كانت تفعل سابقًا.
هو "امتعاض" شبه مُعلَن إذًا أراد "التيار" أن يبلغ "حزب الله" به، بعدما وصل إلى ذروته مع كلمة السيد نصر الله، التي لم يرَ فيها "العونيّون" سوى تكريس لسياسة "الحياد" التي تضرّ ولا تنفع، خصوصًا أنّ الرجل دعا إلى ترك المهل "مفتوحة" أمام تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، في الوقت نفسه الذي كان يضغط فيه "التيار" لبتّ الأمر إيجابًا أو سلبًا، فإما تؤلَّف حكومة "تتناغم" مع شروط "العهد"، وإما يعتذر الحريري عن استكمال مهمّته.
ولعلّ ما عزّز من امتعاض "التيار" أنّه، حين سعى إلى تسريب معطيات حول "بدائل" جاهزين للحريري، بينهم الوزير السابق فيصل كرامي، القريب جدًا من "حزب الله"، لم يُبدِ الأخير أيّ انفتاح أو ليونة، بل على العكس من ذلك، مضى في تأكيد تمسّكه بالحريري مرشّحًا وحيدًا لا ثاني له لرئاسة الحكومة، في موقفٍ كان يمكن أن يُفهَم قبل ثمانية أشهر من باب "الخصوصية السنية الشيعية"، لكنّه لم يعد كذلك اليوم، في ضوء مسلسل "الانهيار" المدمّر.
المطلوب من "حزب الله"
مع بدء لقاءات البياضة الأسبوع الماضي، ترجمةً لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبمشاركة وازنة لـ"حزب الله"، زاد الامتعاض "العونيّ" بدل أن يخفّ. يقول بعض العارفين بموقف "التيار" أنّ الأخير شعر أنّ "الحزب" اصطفّ إلى جانب حليفه الأول، متجاوزًا كلّ اعتبارات حليفه الثاني، بل ممارسًا في مكانٍ ما، ما يشبه "الضغط" الذي لطالما صرّح برفض استخدامه مع حلفائه وأصدقائه، مهما كان الثمن.
وحتى لو كان فريق برّي من يتولّى تسريب المُعطيات "السلبيّة" حول بعض اللقاءات، بما يناقض ما كان يحرص الوزير السابق جبران باسيل على "تظهيره" من إيجابيّات، لا سيّما عندما تعمّدت مصادر "الأستاذ" الردّ بعنف على إيحاء أوساط باسيل بأنّ الكرة "في ملعب" الحريري، فإنّ ما كان يغيظ "التيار" أكثر كان يتمثّل في صمت "حزب الله" وممثّليه، مع ما يعنيه مثل هذا الصمت من "موافقة ضمنية" على ما قيل ويُقال.
يقول "العونيّون" إنّ هذا الصمت على تحميل الوزير باسيل المسؤولية الكاملة عن عرقلة تأليف الحكومة لا مبرّر له، خصوصًا أنّ "حزب الله" يدرك أكثر من غيره، برأيهم، أنّ الحريري "مُحاصَر" داخليًا وخارجيًا، وأنّه لا يريد تأليف الحكومة قبل الحصول على "الضمانات" الدوليّة المطلوبة، والتي يدرك القاصي والداني أنّها غير متوافرة في الوقت الحاضر، في ضوء استمرار سياسة "التطنيش" السعودية تجاهه، رغم كلّ الوساطات والمحاولات.
ويخلص "العونيّون" إلى أنّ المطلوب من "حزب الله" الخروج عن سياسة "الحياد"، لتحديد "الحليف" من "الخصم"، والبناء على ذلك في تحديد مسار تأليف الحكومة، وربما خلط كلّ الأوراق، خصوصًا أنّ الحريري الذي يلوّح تارةً بالاعتذار، ويتراجع عنه تارةً أخرى، "يستقوي" كما هو واضح، لا بموقف رئيس البرلمان فحسب، ولكن بموقف "حزب الله" قبله، في "مساكنة" لا تبدو محبّذة على الإطلاق في أوساط ميرنا الشالوحي.
"حزب الله" على موقفه!
بالانتقاد المُبطَن تارةً، والصريح تارةً أخرى، يحاول "العونيّون" دفع "حزب الله" إلى إطلاق موقف واضح وصريح من الملفّ الحكوميّ، بعيدًا عن "الرماديّة" التي لا تدوم، خصوصًا بعدما شعروا بـ"استفرادهم" في المعادلة، التي لم يبقَ فيها لهم أيّ حليف باستثناء "الحزب".
في المقابل، يتمسّك "حزب الله" بموقفه الثابت، الذي يُترجَم بذلك "الحياد" بين عون والحريري، لأنّ الحلّ برأيه ليس بنصرة فريق على آخر، ولا بالغرق في مستنقع "التحريض" الذي يأخذ مداه هذه الأيام، ومن جانب الطرفين المتخاصمين.
يعتبر "الحزب" أنّ لا حلّ سوى بحكومةٍ يرأسها الحريري، بالتفاهم مع عون، ومن خلفه باسيل ولو بصورة غير مباشرة، أما كلّ ما عدا ذلك، فلن يؤدي سوى إلى "تعقيد" المشكلة أكثر، في وقتٍ لم تعد البلاد قادرة على "الصمود" أكثر، بعدما دقّ "الانهيار" بابها، ودخل من الشبّاك.
قد يسقط "تفاهم مار مخايل" بنتيجة المناوشات الجارية، وقد يصمد كما فعل سابقًا، متجاوزًا الكثير من المطبّات. لكنّ الحقيقة أنّ صمود التفاهم، أو اهتزازه، أو موته، بات "آخر همّ" المواطنين، الذين سئموا من "أطروحات" لا تعنيهم، وهم يعايشون "الذلّ" بكلّ معانيه، في وطنٍ ما عاد يليق بأبنائه!