فاز رجل الدين المُحافظ إبراهيم رئيسي-وكما كان مُتوقّعًا، بمنصب الرئاسة في إيران، حيث سيتسلّم السُلطة رسميًا من الرئيس الحالي حسن روحاني، مطلع آب المقبل. وفي إسرائيل، إنتقل منصب رئيس الوزراء من المُتشدّد بنيامين نتانياهو إلى الأكثر تشدّدًا نفتالي بينيت المَحسوب على اليمين المُتطرّف. فما هي تأثيرات هذه التحوّلات القياديّة الإقليميّة على المنطقة ككلّ، وعلى لبنان بشكل خاص؟.
بداية، لا بُد من التذكير أنّ الإستحقاق الإنتخابي في سوريا لم يُغيّر شيئًا في الوضع الراهن فيها، في إنتظار حُصول تسويات كبرى للمنطقة ككلّ. فالتجديد للرئيس السُوري بشّار الأسد لولاية رئاسيّة جديدة، تمّ بغطاء من الدول التي دعمت الأسد خلال الحرب، وفي ظلّ عدم إعتراف واسع من جانب الدول التي وقفت ضُدّ نظامه. وبالتالي، كل الواقع القائم في سوريا حاليًا، سيبقى من دون تغيير، في إنتظار مرحلة التسويات، ما يعني بقاء الحصار الإقتصادي على سوريا، وبقاء عمليّة إعادة الإعمار مُجمّدة، وبقاء اللاجئين والنازحين حيث هم. والإنعكاسات السلبيّة لهذا الواقع على لبنان معروفة، لجهة إستمرار عمليّات التهريب من لبنان إلى سوريا، وتأجيل الحلّ الجذري لأزمة اللاجئين، وعدم الرهان على تحريك الكثير من القطاعات الصناعيّة والتجاريّة في لبنان والتي تأمل أن يكون لها دور في عمليّات إعادة الإعمار في المُستقبل.
في إيران، وبعد فوز إبراهيم رئيسي بمنصب الرئاسة، يتحدّث المُحلّلون الغربيّون عن إتجاه لمزيد من التشدّد من جانب إيران، في الملفّات الإقليميّة الساخنة. والخطوط العريضة للرئيس الإيراني المُنتخب، تُختصر بالشعارات التي كان رفعها خلال حملته الإنتخابية، وهي: "الأمن من مبدأ السُلطة"، حيث يُنتظر أن يواجه أيّ مُحاولات إعتراضيّة في إيران بالقوّة كما جرى في مناسبات سابقة عدّة(1)، و"التفاوض والدبلوماسيّة من مبدأ العزّة والمنفعة"، حيث يُنتظر أن تواصل إيران مفاوضاتها على صعيد مُختلف الملفّات لكن من موقع القوي وحتى المُنتصر، و"السلام من مبدأ القُوّة"، حيث ينُتظر ألاّ توافق إيران على طيّ أيّ ملف إلا إذا كانت الأولويّة لمصالحها الإستراتيجيّة.
إشارة إلى أنّ الكثير من التحليلات الغربيّة تتوقّع أن يتم تسريع وتيرة المفاوضات القائمة بشأن الإتفاق النووي في فيينا، بإعتبار أنّ الولايات المُتحدة الأميركيّة راغبة بإبرام صفقة العودة إلى "الإتفاق النووي" مع إيران، قبل تسلّم "رئيسي" مهمّاته كرئيس جديد لإيران. وقد سارعت إسرائيل إلى التحذير أنّ من شأن العودة إلى الإتفاق النووي منح إيران مليارات الدولارات، ما سيسمح لها بتكرار سيناريو العام 2015، عندما راحت تنفقها لبناء ما وصفته إسرائيل "بؤرًا إرهابيّة" في كل من لبنان وسوريا واليمن وغزّة، في إشارة إلى دعم إيران لتنظيمات "المُقاومة" التي تدور في فلكها. وعلى الرغم من أنّ خارطة الطريق السياسيّة، يُحدّدها المرشد الأعلى في الجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة، وينفّذها المسؤولون في الدولة، ومنهم الرئيس الإيراني المُنتخب، فإنّ شخصيّة الرئيس الذي جرى تنصيبه بعد إبعاد كلّ المرشّحين الإصلاحيّين، تُعطي دلالة واضحة على نيّة إيرانيّة بتطبيق المزيد من التشدّد، والمزيد من الحزم، في تعاملها مع مُختلف ملفّات المنطقة. وحتى لوّ أنّ الدبلوماسيّة الإيرانيّة راغبة حاليًا بتطوير العلاقات مع الدول العربيّة والإسلاميّة، فهي مُصرّة على عدم تقديم أيّ تنازلات، ومُصرّة كذلك على تقوية خط المُقاومة(2)،وعلى مُواجهة إسرائيل بحزم أكبر. وليس بسرّ أنّ هذه السياسة أسفرت بشكل غير مُباشر عن تدفيع لبنان ثمنًا إقتصاديًا وماليًا باهظًا، نتيجة الحصار السياسي والإقتصادي المَفروض عليه، والمُرشّح أن يستمر في المدى المَنظور.
في إسرائيل، إنّ تنصيب بينيت الذي يعتمد خُطابًا دينيًا قوميًا متشدّدًا، والذي يقود حزب "يمينا" المُؤيّد للإستيطان ولضم إسرائيل أجزاء من الضفّة الغربيّة المُحتلّة، رئيسًا للوزراء، سيزيد من التشدّد الإسرائيلي بشكل عام، علمًا أنّ بينيت سارع منذ لحظة تنصيبه إلى إعتماد سياسة حازمة، لقطع الطريق على خُصوم الحكومة الجديدة وعلى بنيامين نتانياهو بالتحديد، من إظهار الحكومة الجديدة بالضعيفة وبأنّها تفرّط بأمن إسرائيل. وبالتالي، من المُتوقع أن تستمر السياسة الإسرائيليّة المُتشدّدةكما كانت عليه في السنوات الماضية، في ما يخصّ ملفّات سوريا ولبنان وإيران والأراضي الفلسطينيّة. وفي الأيّام الماضية، لم تتردّد الحُكومة الإسرائيليّة الجديدة برفع سقف التهديدات ضُد إيران، مُشيرة إلى أنّ إسرائيل ليست طرفًا في الإتفاق النووي، ولن تسمح لإيران بإمتلاك السلاح النووي. وعلى الرغم من أنّ الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي غير مُتجانس، وهو يضم أحزابًا من اليسار ومن اليمين، ومُعرّض للإنفراط في أي وقت، فإن لا مجال أمام هذا الإئتلاف سوى إعتماد سياسة مُتشدّدة لتأمين إستمراريّته.
وبالنسبة إلى لبنان الذي يدفع حاليًا ثمنًا غاليًا لعدم إيجاد الحلول بعد للأزمة السُوريّة ومُتفرّعاتها، وبخاصة لقضيّة اللاجئين، فإنّه لن يكون بمأمن نتيجة إشتداد الصراع الإيراني-الإسرائيلي. والمُشكلة أنّ عودة أميركا والعالم الغربي إلى "الإتفاق النووي" يزيد منسوب التوتّر بين طهران وتل أبيب، وبين طهران والعديد من العواصم العربيّة والخليجيّة، وليس العكس. والعودة إلى الإتفاق المَذكور تضع لبنان المُدرج حاليًا رغمًا عن إرادته ضُمن "محور المُقاومة"، في صلب هذا الصراع العقائدي والإيديولوجي. فالكباش بين إيران وإسرائيل، يُترجم في الضربات الصاروخيّة في سوريا، وفي الإستعدادات العسكريّة على طول جبهات القتال من الحدود الجنوبيّة، مُرورًا بمزارع شبعا المُحتلّة، وُصولاً إلى الجولان السُوري المُحتلّ، وفي إستمرار أجواء التوتّر وعدم الإستقرار، والكباش بين إيران ودول الخليج يُترجم في الحرب في اليمنوفي الضربات ضد السُعوديّة وفي الصراع في العراق وغيره، مع كل الإرتدادات السلبيّة لهذا التوتّر على لبنان.
(1) "رئيسي" مُصنّف على قوائم العُقوبات الأميركيّة، بسبب دوره في تنفيذ أحكام الإعدام بحقّ آلاف المُعارضين السياسيّين في إيران في ثمانينات القرن الماضي، وهو مسؤول أيضًا عن المُشاركة في قمع التظاهرات التي جرت في العام 2019.
(2) أي الجماعات المَدعومة من إيران في كلّ من لبنان، سوريا، اليمن، العراق، والأراضي الفلسطينيّة.