راهن الكثيرون على ان وصول الممثّل الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الى لبنان، لن تكون بأي شكل من الاشكال شبيهة بتلك التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان قبله، وانها ستفرض على اللاعبين المحليين اعادة حساباتهم والبدء باتصالاتهم مع من يلزم، لتجنب الدخول في مشاكل مع القارة العجوز ودولها. لم يتأخر هؤلاء لادراك ان هذا الرهان كان خاسراً وفي غير محله، خصوصاً لجهة اعتبارهم ان فرنسا ألقت على الاتحاد الاوروبي مسؤولية فرض العقوبات وابلاغ المسؤولين اللبنانيين بها، فتكون بذلك قد اصابت عصفورين بحجر واحد، لجهة اثباتها انها قادرة على فرض عقوبات على غرار الولايات المتحدة الاميركية، والابقاء على علاقاتها طيبة مع مختلف الاطراف من دون الدخولفي مواجهة مباشرة مع احد. وما حصل هو ان بوريل نسف المبادرة الفرنسيّة من اساسها، واوصل رسالة معروفة ومتفق عليها، وهي ان الانتخابات النيابية خط احمر لا يجب المساس به حتى في ظلّ القانون الانتخابي الحالي واجراؤها في موعدها، يبقى حتى اشعار آخر، اولوية بالنسبة الى الخارج. كما تضمنت الرسالة ايضاً طريقاً الزامياً للبنان السير على خطى صندوق النقد الدولي للخروج من مشاكله، والا... اما رسالة العقوبات، فكانت أقلّ حدة، اذ بدا وكأنها بمثابة "همّ" على الاوروبيين وكأس يرغبون في تجنب تجرّعه لاطول فترة ممكنة، ربما لعلمهم انها ستكون مجرد ضربة معنويّة من شأنها ان تطال اكثر من لاعب رئيسي، غير انها تبقى فاقدة القدرة على احداث تغييرات جذرية في المعنيين بها. ولعل ابرز دليل على ان هذه العقوبات التي يتمّ التلويح بها هي مجرد حبر على ورق، ما صدر من كلام عن النائب جبران باسيل كان من الاعلى في سقف التخاطب السياسي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، علماً انّ اسم النائب باسيل مطروح من قبل الكثيرين على انه ضمن قائمة العقوبات الاوروبيّة المنوي اتخّاذها، فهل الكلام عالي النبرة الذي صدر عنه يشير بأي حال من الاحوال الى قلق او خوف من عقوبات اوروبيّة او غيرها؟ وما ينطبق على باسيل، ينطبق حتماً على غيره، فأحداً لن يغيّر موقفه لتجنب عقوبات غير قاسية قد يتم اتخاذها، في حين ان العقوبات الاميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب كانت اكثر قساوة وبقي تأثيرها محدود نسبياً رغم قوتها.
اما بوريل، فقد نسف المبادرة الفرنسية من اساسها، وهي التي كانت قائمة على الاختصاص والمساواة والابتعاد عن السياسة والمحاصصة... ولم يطالب بأي بند من بنودها سوى بتشكيل الحكومة والبدء بالاصلاحات المطلوبة (اي التفاوض مع صندوق النقد الدولي والاخذ بقراراته وبنوده، وتطبيق ما يمكن منها)، وعدم التوقف عند شكل الحكومة وانتماء وزرائها في السياسة، حتى ولو كانوا من حزب الله، الذي كان منعه من دخول الحكومة الجديدة احد الشروط الاساسية في البدء. لذلك، يبدو ان زيارة بوريل كانت لزوم ما لا يلزم واظهار ان الاوروبيين لم يتخلوا عن لبنان، وان فترة المراوحة السياسية هذه وتداعياتها المأساوية باقية لفترة غير قصيرة على ما يبدو، مع التأكيد بالحرص على عدم الغرق في الفوضى الشاملة والفلتان التام، الذي من شأنه ان يفتح كوابيس الهجرة، المشروعة وغير المشروعة، على اوروبا ومن كل الجنسيات عبر الارض اللبنانية، وهو امر يرتعب منه الاوروبيون بعد ان هددت به تركيا سابقاً ونجحت في تحصيل بعض مطالبها.
ووفق كلام بوريل واجواء زيارته، فإن الحل لا يزال على نار خفيفة لم تنضج بعد، وان الاتحاد الاوروبي لا يمكنه القيام بأكثر مما قام ويقوم به.