ثمّة استسهالٌ مُخيفٌ لمسأَلة الفساد المُستشري لدى غالبيّة التُجّار في لُبنان، ما يُرجِّح كفّة "الحِلْف المُزمن" المُبرم بينهُم وبين بعض الحُكّام عندنا، كما وثمّة خِدمةٌ سياسيّةٌ تُقدّم إِلى بعض السّاسة لغاياتٍ "في نَفْسِ أَجنداتهم السّياسيّة الدّاخليّة"...
ومِن أَكثر حالات الوحدة في المسار والمصير بين الفاسدين وبعض السّاسة إِيلامًا، وضمن أَولويّات "لائحة المصالح الخاصّة" غير النّظيفة لدى كُلٍّ مِن الفريقَين الحليفَين، أَن يكون الكلام عن بُؤسٍ جديدٍ في انتظار اللُبنانيّين... يمرّ "مرور الكِرام"، مِن دون أَن يُستتبع بإِجراءاتٍ للتّخفيف من موت النّاس البطيء!...
لذا فإِنّنا نقرأُ عبر الإِعلام أَجواء مشحونةً بالتّهويل بعظائم الأُمور... مِن دون أَن يُستتبع هذا التّهويل والوعيد، بأَيّ إِجراءٍ ميدانيٍّ يهدف إِلى إِراحة اللُبنانيّين في مجالٍ ما... ولو كان الإِجراء بسيطًا ومحدودًا.
ونقرأُ عبر الصّحف الصّادرة في بيروت أَو نسمع عبر الإِذاعة والتّلفاز... أَن ثمّة "عدًّا عكسيًّا لرفع الدّعم"، وأَنْ ثمّة "أُسبوعَين اثنَين حاسمَيْن للبنزين... لنعتَد ونقتنع!"، وكأَن لا حَوْل ولا قُوّة في هذه الجُمهوريّة! أَو أَنّ مصيرنا أَن نسير في لُبنان في مراحل درب الصّليب، وفي شكلٍ مُتواصلٍ، ومِن دون الهِداية إِلى الخلاص، أَو أَن نلمح بصيص أَملٍ ولو خافتًا!...
والأَنكى أَنّ مسأَلة الفساد الَّتي هي أَصلًا مُعضلةٌ خُلُقيّةٌ، ينسحب على مواقف رجال الدّين حيالها، ما ينسحب على رجال الدّنيا، مِن استخفافٍ في الحدّ الأَدنى، وإِهمالٍ عن سابق تصوّرٍ وتصميمٍ في المُستوى الأَعلى، مِن المُستويات الإِجرائيّة والمُبادرات الّتي ينبغي أَن تُطلق في هذا المجال!.
وأَحيانًا يبدو وكأَنّ المطلوب إِطفاء أَيّ بصيص أَملٍ ولو أَتى مِن الخارج، لتغطية عجز الدّاخل!. فما إِن يسمع اللُبنانيّون مثلًا، بأَنّ "فرنسا تقترح إِنشاء مجلس نقدٍ للُبنان"... حتّى تعلو التّصريحات، وتُستَنفَر المواقف... ويُقال أَخيرًا بعدما يكون الصّوم عن الكلام قد استغرق دهرًا: "إِنّ المُقترح الفرنسيّ المُشار إليه... يُلغي دور البنك المركزيّ"!. وكأَنّ هذا المصرف قد شمّر مُنذُ 17 تشرين الأَوّل 2019 عن زُنوده، وهو إلى ذلك ينكبُّ مُنذُ تلك الفترة على اجتراح الحُلول، واجتراح المُعجزات "على قفا مين يشيل"، وبالتّالي فالهدف مِن المُبادرة الفرنسيّة "الشرّيرة" الّتي يُحكى عنها في هذا المجال، أَن "تُفرمِل" انطلاقة المصرف المركزيّ الصّاروخيّة...
لقد انقلبت المفاهيم عندنا في لُبنان إلى حدٍّ كبيرٍ، وسُمّمَت الحقائق مِن دون أَن تشفع بها قُدْسيّتها!
كالسّكارى نحن الشّعب مُخدّرون عن الواقع الأَليم... نقرأُ، نسمعُ أَو نُشاهد بأُمّ العَيْن، أَنّ "رفع الدّعم أَصبح واقعًا... وغياب الإِجراءات الحُكوميّة سترفع مُعدّلات الفقر في شكلٍ مُخيفٍ"... وأَنّ "ارتفاع سعر البنزين سيُفقد لُبنان السّيطرة على الكتلة النّقديّة"... من دون أَن نُحرّك ساكنًا لما قرأناه وسمعناه أَو ما نُعاينه... وكأَنّ الأَمر يبدو بالنّسبة إِلينا في غاية البساطة والطّبيعيّة... وكأنّه يصحّ فيه قول المثل الشّعبيّ القائل: "فالج ما تعالج"!.
لقد غاب عنّا... أَو غيّبوا فينا... أَنّ مُحاربة الفساد والقضاء على كلّ أَوجه الاحتكار... إِنّما باتا عندنا قضيّةً مفصليّةً بمتيازٍ!. وأَمّا المُشاركون في مُؤامرة السُّكوت عن الفساد في لُبنان فـ "مِن تصريحاتهم تعرفونهم"!.