تُجمع كل المعطيات الداخلية والخارجية على أن لبنان دخل منعطفاً سياسياً واقتصادياً خطيراً، في ظل انسداد أفق تأليف الحكومة بالكامل، والذي يترافق مع خطاب سياسي متفجر بين القوى السياسية، بات يبعث على الخوف الكبير من إمكانية انعكاسه على الشارع الذي بلغ منوسباً عالياً من الغليان والغضب.
وإذا كان المشهد الداخلي على هذا النحو من التبعثر والخطورة، فإن المشهد الدولي تجاه لبنان مشابه أيضاً لا بل إنه يعكس صورة غير مريحة تجاه هذا البلد، الذي بات ينظر إليه الجميع على أنه يتجه بوتيرة سريعة نحو السقوط المدوي، وقد عكس هذه الصورة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية حوزيف بوريل الذي زار بيروت نهاية الأسبوع الفائت حيث أطلق من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون جملة من المواقف الحازمة تجاه المسؤولين اللبنانيين الذين أعاد على مسامعهم شروط الاتحاد الأوروبي لدعم لبنان والمتعلقة بضرورة الشروع في تنفيذ رزمة من الإصلاحات في ظل حكومة مكتملة الأوصاف وقادرة على مقاربة الأزمات بحلول ناجعة ومنطقية بعيداً عن مناخات الهدر والفساد التي كانت سائدة في إدارات ومفاصل الدولة طوال السنوات المنصرمة.
بوريل للمسؤولين اللبنانيين: أضعتم فرصاً كثيرة للحل والوقت لم يعد لصالحكم
ولم يغفل عن بال المسؤول الأوروبي تذكير المسؤولين اللبنانيين بالخيارات التي من الممكن إخراجها من الأدراج والمتعلقة بفرض عقوبات على المسؤولين المعرقلين لعملية التأليف أو ممن ترتبط أسماؤهم بعمليات فساد في حال لم يتجاوبوا مع المطالب الدولية التي وضعت كشرط لتقديم يد العون للبنان لإخراجه من أزماته.
وكان بوريل واضحاً خلال محادثاته مع كبار المسؤولين اللبنانيين حيث لم يخفِ عنهم أن الاتحاد الأوروبي يضع يده على قلبه تجاه ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وهو أكد لهم أن الوقت لم يعد لصالحهم، حيث أضاعوا فرصاً كبيرة كان يؤمل خلالها الوصول إلى حلول، واليوم بات لبنان يقف على حافة الوقوع في الانهيار المالي، وهذا الأمر قد ينشأ عنه انفجار اجتماعي من الممكن أن تنشأ عنه أيضاً مخاوف كبيرة من توترات أمنية تذهب بلبنان إلى أتون المجهول، وقد لاقى رئيس مجلس النواب نبيه بري المسؤول الأوروبي في مخاوفه، حيث عبّر رئيس المجلس عن توجه من خروج الأوضاع في لبنان عن السيطرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وقد أضاف على ذلك توجهاً من خطر أمني يتهدد البلاد إذا استمرت حال التفلت الراهنة.
وما يزيد الطين بلة التصريحات والمواقف المتتالية التي يطلقها أكثر من مسؤول في البنك الدولي والتي كان آخرها تأكيد هؤلاء على ضرورة شروع لبنان وبشكل سريع بتنفيذ أجندة من الإصلاحات الشاملة قبل الوصول بالكامل إلى دائرة الخطر الذي يشمل كل القطاعات. وهذا الموقف للبنك الدولي ليس بجديد، وهو دق ناقوس الخطر عشرات المرات، وحذر المسؤولين اللبنانيين مئات المرات وفي كل مرة لم يكن يلقى آذاناً صاغية أو أي اهتمام مما يحذر منه إلى ان وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم.
وفي ظل المعطيات المخيفة التي تخيم على البلاد حيال الملف الحكومي الذي يتقاذف الجميع التهم حول على من تقع مسؤولية التعطيل، فهل ما زال هناك من إمكانية لإحداث خرق في جدار هذه الأزمة والذي يزداد سماكة وارتفاعاً يوماً بعد يوم؟ تسارع مصادر سياسية إلى التأكيد على أن لا مؤشرات جدية توحي بذلك، بل على العكس فإن تبادل المواقف المتوترة من العيار الثقيل بين ما يفترض بهم أن يسارعوا إلى وضع الحلول للأزمات المتفاقمة يُشير إلى أننا ذاهبون إلى مرحلة طويلة من المراوحة والتسويف معطوفاً عليها ازدياد الانهيارات على المستويات النقدية والاقتصادية والاجتماعية مع خوف من أن ينسحبَ ذلك على الوضع الأمني من بوابة الاحتقان الحاصل في الشارع والذي يترجم يومياً إشكالات وتضارباً على محطات الوقود وأمام الصيدليات.
وفي رأي هذه المصادر أنه في ظل التراشق الكلامي الحاصل في أكثر من جهة، والتوقف القسري لمحركات المبادرات والمساعي كنتيجة حتمية لهذا التراشق، فإن عملية التأليف موضوعة في الثلاجة على درجة حرارة مئة تحت الصفر، وأن لا أمل في إخراجها من هذه الثلاجة في وقت قريب، اللهم إلا إذا حصلت تطورات لم تكن موضوعة في الحسبان، حيث إن هناك من دخل على خط التهدئة وأن المعلومات تتحدث عن إمكانية أن يتحرك «حزب الله» في اتجاه التخفيف من حدة التشنج التي بلغت مداها الاسبوع الفائت بين بعبدا وعين التينة وما بينهما المواقف الأخيرة للنائب جبران باسيل الذي نعى بشكل واضح مبادرة الرئيس بري التي تجمع عليها كل الأطراف في الداخل والخارج واعتبارها خشبة الخلاص.
وتدعو المصادر إلى انتظار ما سيسفر عنه اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية الذي انعقد في لوكسبورغ والذي قارب الوضع اللبناني من خلال التقرير المفصل الذي قدمه جوزف بوريل خلال احدى الجلسات، والذي وصف بأنه تقرير سوداوي حيث شرح تفاصيل الوضع اللبناني والأسباب الحقيقية التي حالت حتى الساعة دون تأليف حكومة والولوج في الاصلاحات، وقد يتخذ المجلس قرارات مهمة في ضوء هذا التقرير، وعلى ضوئه يحدد مسار ومصير المعالجات للأزمات الموجودة، حيث لن يكون بإمكان اصحاب القرار في لبنان تجاهل ما سيصدر عن المجلس وخصوصاً اذا تضمن فرض عقوبات على مجموعة من المسؤولين اللبنانيين، حيث ما زال هناك من دول في الاتحاد تدعو إلى التريث وإعطاء الفرصة قبل اتخاذ مثل هكذا خطوة، في حين أن دولاً أخرى باتت متحمسة لذلك من باب الحث على قيام المسؤولين اللبنانيين بما يتوجب عليهم لإنقاذ بلدهم.
وتهزأ المصادر من الذين يقولون أن لا علاقة لما يجري في لبنان بالتطورات الحاصلة في المنطقة، موضحة أن لبنان ورقة مهمة في الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، وعلى هذا الأساس فإن الملف اللبناني سيبقى على رف الانتظار إلى أن تبدأ نتائج المفاوضات الجارية بشأن الملف النووي، وتحديد مصير المحادثات غير المعلنة التي تجري بين الرياض وطهران والى ذاك الحين فإنه من الصعب وضع حد لما يجري في لبنان على الصعد كافة، وهذا يعني أن لبنان ما زال قاصراً على حل مشاكله بنفسه ولم يبلغ المسؤولون فيه بعد سن الرشد، وهذا ما ينذر بكمٍ من التداعيات الصادمة التي تمثل كمائن متنقلة على المستوى الاجتماعي على مساحة الوطن نتيجة تعمّق الأزمة المعيشية المرتبط بشكل دقيق بالمشهد السياسي.