بعد ان سلّمنا بأنه من المبكر الحديث عن الانتخابات النيابية، وان اجراء انتخابات مبكرة امر مستبعد جداً فيظل الظروف الحالية وعدم الحماسة الدولة، تسارعت المعطيات التي تشير الى ان الاستعداد للانتخابات بات على قدم وساق، بدليل انهماك التيارات والاحزاب السياسية كافة بهذا الامر، وعودة الاموال بشكل مفاجئ الى هذه التيارات والاحزاب للترويج لافكارها ومشاريعها وخططها، ناهيك عن وسائل الاعلام التي نشأت في الفترة الاخيرة في ظل الضائقة الماليّة والاقتصاديّة الخانقة التي يعاني منها لبنان.
كل هذه الاحداث تدفع الى التفكير قليلاً بما يمكنان تحمله الانتخابات النيابية في حال حصولها، عما اذا كانت درب الخلاص للبنان واللبنانيين. وفي نظرة سريعة على الواقع الحالي، نجد انه في حال تم اجراء الانتخابات النيابية اليوم (بسحر ساحر)، فإن التغييرات الموعودة بالخلاص والتغيير، واستعادة لبنان من قبل الشعب، و"الانقلاب" على الشخصيات السياسية الحالية والسابقة، ليست سوى "اغراءات" لا طائل منها. ولكي نبدأ بالاسهل، فإن الثنائي الشيعي سيكون الاقل تأثراً واذا تفاءل الكثيرون بتراجع سيصيبه،فسيكونبنسبة لا تذكر وهذا الموضوع يستند الى قوّة حزب الله في بيئته والاهتمام بمؤيّديه ومناصريه الذين، وان لمسوا بعض التراجع في التقديمات، فإنهم لا يزالون افضل بكثير من غيرهم على هذا الصعيد. كما ان الحزب يعيش فترة معنويّة افضل من السابق بحكم المفاوضات الاميركية-الايرانية والانفتاح السعودي على سوريا وغيرها من المعطيات الاقليمية والدولية. ومن ناحية حركة "امل" فإنّ البديل غير جاهز بعد ليحل محلها، ومناصرو الحركة لن يتخلوا عنها بالسهولة التي يعتقدها البعض، مع التذكير بأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يفتح الخطوط السياسية بشكل دائم مع كل القوى والفاعليّات والاحزاب والتيارات (ما عدا التيار الوطني الحرّورئيس الجمهورية حالياً)، ويمكنه من خلال ذلك الابقاء على الحضور التمثيلي للحركة في المجلس.
على الصعيد الدرزي، سارع الاقطاب الدروز الى "لململة" خلافاتهم ومشاكلهم، ويسجّل لهم قدرتهم على التلاقي في هذا الوقت الحرج، لعلمهم بأنهم "سيدفعون الثمن" في حال توسعت الخلافات وسط هذه البلبلة السياسية، ومن الافضل لهم تقرير مصيرهم بأنفسهم على ان يعتمدوا على هذا وذاك من الاحزاب والطوائف، ولو ان التحالفات امر لا بد منه فيالانتخابات، الا انّ التأثير عندها سيكون أقل مما هو عليه اذا ما تم خوض معركة ضمن الطائفة بواسطة الآخرين.
على الصعيد السنّي، تطرح خيارات اخرى على الطاولة، بفعل التضعضع الذي اصاب صورة رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري الذي سيعمد دون ادنى شك، في ظل استمرار عدم التشكيل، على شدّ العصب السنّي حوله واعادة النبض الى مؤيّديه وانصاره بخطاب عالي السقف. ولكن المشكلة ظهرت فيالانتخابات الفائتة التي شهدت خروقات في عدد من المناطق اللبنانية، وفاجأت التيار بشكل كبير، اما الخطورة الاكبر اليوم فتتمثل في المواجهة المتوقّعة لدى آل الحريري بين سعد وبهاء تحديداً، في ظلّ عدم اخفاء الاخير نيته في النزول الى الساحة السياسية وهو حاضر منذ فترة، من خلال تمويله لمساعدات اجتماعية وطبية وغذائية اضافة الى حضور اعلامي وازن سيؤدّي دون شك الى التخفيف من حصّة سعد في البرلمان.
ونصل الى أم المعارك لدى المسيحيين، فهم لم يملّوا من التقاتل فيمابينهم، وعليه، من المرجح بشكل كبير ان يتراجع حضور التيارات والاحزاب السياسية المسيحيّة في مجلس النواب لصالح فئات اخرى، من دون ان يعني ذلك اقصاء احد. اما على صعيد التحالفات داخل الطائفة فلن تكون مرتقبة ولا متوقّعة، في ظلّ سعي كل طرف الى شدّ العصب المسيحي اليه، ومع الفراق الكلّي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ستستفيد الاحزاب الاصغر من خروقات عديدة في أكثر من منطقة، وسيكونالامر متوقفاً عند مصير التحالفات من خارج الطائفة لحسم الامور والنفوذ وحجم الكتل في المجلس الجديد.
باختصار، لا يمكن التعويلعلى الانتخابات لتغيير الامر الواقع في لبنان، لانّ العقلية اللبنانيّة لم تتغير بعد، ولانّ مصير لبنان لا يحدّده شعبه الذي ارتضت غالبيّته، للاسف، ان يقرّر عنها مسؤولو الاحزاب والطوائف.