الواضح من خلال جميع المعطيات أنّ أزمة تشكيل الحكومة مستمرة، ولا أفق في المدى المنظور للخروج منها، وفي المقابل فإنّ الأزمات مستمرة في التفاقم وهي باتت تغرق اللبنانيين في مستنقعها، ومع ذلك لا يرفّ جفن لمن هم قادرون على أخذ القرار بفتح كوة في جدار الأزمات تجعل المواطنين يتنفسون ويرتاحون من الانتظار لساعات في طوابير طويلة على محطات البنزين لتعبئة خزانات سياراتهم، أو قضاء اليوم بحثاً عن الدواء، أو عن فرصة عمل. فيما الكهرباء تزداد تقنيناً حتى من قبل المولدات إلخ… ولا يكتفى أصحاب القرار بعدم التحرّك لإيجاد الحلول، بل يعملون على وضع العراقيل أمام أيّ خطوات عملية لإنهاء معاناة الناس في الحصول على احتياجاتهم الأساسية اليومية والتخفيف من أعباء الأزمة على البلاد، والحدّ من نزيف العملة الصعبة وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين…
لقد بات من الواضح أنّ أطراف أساسية من الطبقة السياسية المسيطرة على مفاصل القرار هي التي تمنع الحلول السياسية والاقتصادية والمالية والخدماتية المتوافرة، لأنها تريد إبقاء الناس تحت ضغط الأزمة، لأجل جعلهم يقبلون بأيّ حلّ تريد هذه الأطراف فرضه، إنْ كان اقتصادياً أو سياسياً، وبالتالي تدفيع الناس ثمن نتائج سياساتهم الريعية الجائرة التي أفلست البلاد، فيصبح مثلاً رفع الدعم المتدرّج عن المحروقات أمراً مسلّماً به، بدلاً من شراء المشتقات النفطية من إيران بالليرة اللبنانية وبأسعار تفاضلية، أو عقد اتفاقيات المقايضة مع العراق، أو التكامل مع سورية، أو قبول العروض الصينية إلخ… والتي تجنّب اللبنانيين المعاناة وتداعيات الانهيار المستمرّ في قيمة عملتهم وقدرتهم الشرائية، وعندها لا يكون هناك حاجة أصلاً للدعم الذي يستفيد منه التجار والشركات الاحتكارية، إذا ما تمّ سلوك هذا الحلّ المتواقر والذي يصبّ في مصلحة الدولة والمواطن في آن معاً. وما ينطبق على المحروقات ينسحب أيضاً على الدواء والمواد الغذائية حيث يمكن شراء هذه المواد الضرورية من دول عديدة، إما بأسعار أدنى بكثير من الأسعار التي يجري شراؤها به من الدول الغربية من قبل شركات احتكارية، أو عبر المقايضة بمنتجات لبنانية حسب العرض العراقي… الأمر الذي يوفر على لبنان نزف عملة صعبة من ناحية، ويخفف من معاناة المواطنين، وتراجع قيمة العملة…
لماذا لا يتمّ اللجوء إلى هذه الحلول المتوافرة، ويجري سلوك طريق مواصلة سياسة الاحتكار ورفع الدعم وتعريض البلاد إلى نزف مستمر… وجعل المواطن يدفع ثمن ذلك؟
الواضح أنّ هناك جهات محلية وخارجية تقف وراء ذلك:
أولاً، الجهات المحلية، وهي مافيا الشركات الاحتكارية التي تجني الأرباح الطائلة لا سيما في ظلّ الأزمة… وأطراف سياسية شريكة مع هذه المافيا وتعمل على توفير الدعم لها وحماية احتكاراتها…!
ثانياً، أما الجهات الخارجية، فهي الولايات المتحدة والدول الغربية، الذين يقفون وراء سياسة زيادة منسوب الضغط على لبنان واللبنانيين لجعلهم يرفعون راية الاستسلام ويخضعون لشروط هذه الدول مقابل رفع الحصار المفروض على لبنان بمشاركة وتواطؤ من بعض أطراف الطبقة السياسية، او الخائفين من تحدي الضغوط الغربية…
إذا كانت هذه هي الجهات التي تقف وراء سياسة تسعير نار الأزمات ومنع الحلول الجدية لها، فلماذا لا تبادر القوى الأخرى المعارضة لمثل هذه السياسة والمتضرّرة من استمرارها إلى ايجاد الحلول المتوافرة بأن تستورد هي أو عبر شركات تابعة لها المحروقات والأدوية والمواد الغذائية من دول صديقة، وبالليرة اللبنانية، أو المقايضة، وبالتالي إنهاء حالة الذلّ التي يعاني منها الموطن، ووضع حدّ لهذا الارتفاع الجنوني بالأسعار، واستطراداً وضع حدّ لابتزاز الدول الغربية والأطراف المحلية المتواطئة معها لإخضاع لبنان ومحاولة النيل من مقاومته ومعادلتها الماسية، التي تشكل العقبة الأساسية في مواجهة السياسات الأميركية الصهيونية الساعية إلى إعادة لبنان إلى زمن قوته في ضعفه، وبالتالي جعله بلداً مستباحاً من قبل كيان العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية…
فهل يحمل كلام أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله اليوم ما يشفي جراح اللبنانيين ويفتح كوة في جدار الأزمة، وينهي حالة الذلّ والهوان التي يعيشها المواطنون… بأن ينفذ قراره بشراء المشتقات النفطية من بنزين ومازوت… من إيران وبالليرة اللبنانية، وبالتالي يضع حداً للابتزاز الذي تمارسة الشركات الاحتكارية بالتواطؤ مع بعض الأطراف السياسية..
لسان حال المواطن يقول، يا ليت سماحة السيد يقدم على هذه الخطوة، ولو كانت متأخرة، لكن تشكل بداية للتوجه شرقاً لحلّ أزمات لبنان التي تسبّبت بها السياسات الحكومية التابعة للغرب، الذي زاد منها حصاره الاقتصادي، وبالتالي فرض معادلة اقتصادية تكسر التبعية للغرب، وتجعل لبنان منفتحاً في علاقاته على جميع دول العالم بما يؤمّن له مصالحه، وهذا الأمر ينطبق على دول الشرق كما دول الغرب أو الشمال أو الجنوب، المهمّ أن تكون العلاقات مبنية على قواعد تؤمّن مصلحة لبنان وتسهم في مساعدته على حلّ أزماته بأفضل الشروط… وتحرّر لبنان من الارتهان للسياسات الغربية وضغوطها الهادفة للنيل من عناصر قوة لبنان المتمثلة بالمعادلة الماسية، الجيش والشعب والمقاومة، من خلال سعيه إلى استثمار تفاقم الأزمات، لأجل تفكيك هذه المعادلة عبر جعل الشعب يبحث عن حلّ لأزماته بأيّ ثمن، والجيش رهن فتات المساعدات الأميركية الغربية…
ولهذا لو انه تمّ اعتماد سياسة اقتصادية تتجه نحو قبول المساعدات السخية وغير المشروطة من أيّ دولة تقدمها، قبل استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، لكان لبنان وفر الكثير الكثير من هدر للمال والزمن، وحال دون تفاقم الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون اليوم… وجنّب الشعب والجيش الارتهان لمساعدات دول الغرب التي تقف وراء العمل على إذلال اللبنانيين وامتهان كراماتهم… في محاولة لإضعاف مناعتهم الوطنية.. وجعلهم يتخلون عن التمسّك بمقاومتهم التي تحميهم من العدوانية والأطماع الصهيونية…