على وقع الخلافات مع حركة فتح"، بعد تأجيل اجتماع القاهرة الذي كان من المقرر ان يجمع الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية للتوافق على خارطة لمواجهة التحديات وتشكيل حكومة وحدة وطنية، بدأ رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة على رأس وفد رفيع المستوى من قيادة الحركة، زيارة الى لبنان تستمر عدة ايام، ومن المتوقع ان يعقد خلالها سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين اللبنانيين في اطار جولة عربية قادته الى مصر، المغرب، مورتانيا ثم الى طهران حيث يلتقي المرشد الإيراني علي خامنئي، إضافة إلى الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية، محمد جواد ظريف، ومسؤولين كبار في الدولة والحرس الثوري بهدف وضع المسؤولين فيها بمستجدات القضية الفلسطينية، "وانتصار المقاومة في معركة "سيف القدس" وتجلياتها الميدانية والسياسية".
وتعتبر زيارة هنية الى لبنان الثانية في غضون أقل من عام، اذ سبق وزاره في بداية ايلول من العام الماضي 2020، والثالثة بعد زيارته الاولى قبل 27 عاما حين كان مبعدا مع المئات من قادة وكوادر حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الى "مرج الزهور" في البقاع في العام 1993.
وتكتسب زيارة هنيّة هذه المرة اهمية خاصة مع التطورات السياسية والأمنية في اعقاب العدوان الاسرائيلي على غزة ووقف اطلاق النار دون شروط او اتفاق واستمرار الحصار الخانق عليها، وبعد محلاوت "اسرائيل" تدنيس المسجد الاقصى وتهويد القدس واخلاء حي "الشيخ جراح" من قاطنيه، والاهم بعد تعثّر المصالحة الفلسطينية وطي صفحة الخلافات، في اعقاب تأجيل اجتماع القاهرة بين الفصائل الفلسطينية برعاية مصريّة والذي كان مقررا في منتصف حزيران الجاري للتوافق على رؤية موحدة للتحرك الوطني في المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني.
وأوضح المسؤول الاعلامي لحركة "حماس" في لبنان وليد كيلاني لـ"النشرة"، ان هنية سيلتقي كلا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اذا كان موجودا في لبنان، لوضعهم في تطورات القضية الفلسطينية ومناقشة اوضاع اللاجئين في مخيمات لبنان، كاشفا انه سيلتقي بمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وبرؤساء وممثلي الاحزاب اللبنانية وسيعقد لقاء مع الامناء العامين للفصائل الفلسطينية للبحث معهم في العناوين العامة للمصالحة، والاسباب التي حالت دون انعقاد اجتماع القاهرة الاخير، دون ان تشمل زيارته المخيّمات الفلسطينية كما حصل في المرّة السابقة، حيث تفقد اوضاع ابنائها واطلق سلسلة من المشاريع الانمائية والخدماتية والتربوية بقيمة مليون دولار اميركي، بعدما لمس عن كثب مدى الواقع المرير الذي يئنون تحت وطاته وخاصة مع انتشار وباء "كورونا" وارتفاع معدلات الفقر المدقع والبطالة في صفوفهم.
ولدى وصوله مطار بيروت الدولي، قال هنية إن هذه الزيارة تأتي في إطار استثمار انتصار المقاومة العظيم في معركة "سيف القدس"، مشدداً على أنها تكتسب دائماً أهمية خاصة، كونها فرصة للقاء المسؤولين في الدولة بدءًا من رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، عدا عن قادة الفصائل الفلسطينية وقوى المقاومة والأحزاب والفعاليات اللبنانية، وأبناء الشعب الفلسطيني المتواجدين في مخيمات الصمود والعودة، مؤكدا أن اللقاءات ستتضمن البحث في الملفات ذات الاهتمام المشترك، بداية من ملف العلاقات الثنائية، وكيفية العمل على تنسيقها وتطويرها، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، وكذلك البحث في التطورات السياسية التي ترتبت على هذا الانتصار، الذي صنعه الشعب الفلسطيني من رحاب المسجد الأقصى والقدس، امتداداً إلى كل نقطة جغرافية داخل فلسطين التاريخية، وكافة أبناء الشعب الفلسطيني في كل مواقع الشتات، وأحرار العالم، مشددا على تمسك الحركة بحقّ العودة إلى كل أرض فلسطين، ورفضها التوطين والوطن البديل.
وأبلغت مصادر فلسطينية "النشرة"، ان "حماس" تحرص على عدم اعتبار زيارته استفزازا لاي مكون فلسطيني، وتحديدا حركة "فتح"، وهي وجهت دعوة الى سفير دولة فلسطين اشرف دبور كي يكون في الاستقبال الرسمي الذي سيقام له في مطار بيروت الدولي لدى وصوله الى لبنان، علما انه كان موجودا في رام الله للمشاركة في اجتماع المجلس الثوري لحركة "فتح" وقد انتدب القنصل رمزي منصور للقيام بهذه المهمة، مشددة في الوقت نفسه "ان التواصل لم ينقطع بين قيادة الطرفين".
بيد ان مصادر فلسطينية أخرى، ترى ان توقيت الزيارة غير ملائم على المستوى الفلسطيني الداخلي، سيما وان هنية سيتناول الملف الفلسطيني بمختلف جوانبه ومنه المصالحة الوطنية والعقبات التي حالت دون انجازها لجهة اختلاف وجهات النظر حول الانتخابات التشريعية والمجلس الثوري واعادة تفعيل "منظمة التحرير الفلسطينية" ومؤسساتها على اعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ناهيك أنها تأتي في توقيت دقيق لبنانيا، في ظل استفحال الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي، وازمات البنزين والمازوت والدواء والغلاء وارتفاع الاسعار والتحركات الاحتجاجية التي باتت اقرب الى الفوضى خاصة مع قطع الطرقات واشعال الاطارات واقتحام بعض المؤسسات العامة.
كما تأتي الزيارة في ظل احتدام الخلاف والتراشق الاعلامي بين الحركتين، وآخرها خلال المجلس الثوري لحركة "فتح"، الذي عقد أعمال دورته الثامنة تحت شعار "القدس عاصمتنا وعنوان هويتنا وحرية شعبنا"، بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، برئاسة الرئيس محمود عباس وحضور أعضاء اللجنة المركزية للحركة، حيث دعا عباس حركتي "فتح" و"حماس" وفصائل المنظمة وحركة الجهاد الإسلامي إلى العودة فورا إلى حوار جاد على مدار الساعة لإنهاء الانقسام وبناء الشراكة الوطنية على كل المستويات لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه شعبنا وقضيته الوطنية.
في المقابل، دعا نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" ومسؤول ملف المصالحة في "حماس"، صالح العاروري، الرئيس عباس إلى تقديم الخيارات المناسبة لاستئناف مسار المصالحة"، قائلا إن "جميع الفصائل الفلسطينية، وتحديدا حركتي حماس وفتح، توصلتا خلال جولات الحوار السابقة، إلى اتفاق وطني شامل وخارطة طريق كاملة، لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء الانقسام، وبناء شراكة وطنية، بالاستناد إلى الإرادة الشعبية الفلسطينية"، مشيرا الى أن "أبو مازن، أوقف المسار الوطني الشامل المتفق عليه، خلال جولات الحوار السابقة التي عقدت في القاهرة، واجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، الذي عقد الصيف الماضي، بالتزامن في مدينتي بيروت ورام الله، دون التشاور مع الشركاء أو الضامنين، بقراره تعطيل الانتخابات".