فتحت نتائج إنتخابات المندوبين في نقابة المهندسين، التي حققت فيها لائحة "النقابة تنتفض" فوزاً كاسحاً بوجه اللوائح المدعومة من قبل الأحزاب السياسية، الباب أمام طرح مجموعة واسعة من الأسئلة حول ما إذا كان ممكنا أن تعتمد كمؤشر عن توجه الناخبين في الإنتخابات النيابية المقبلة، لا سيما مع تزايد مستوى الإمتعاض الشعبي من الطبقة السياسية، بسبب الإنهيار الحاصل على كافة المستويات الإجتماعية والإقتصادية.
نتائج هذه الإنتخابات لا يمكن أن تنفصل عن نتائج العديد من الإستحقاقات النقابية والطلابية الأخرى التي سبقتها، لكنها من حيث المبدأ تبقى إنتخابات قطاعية لا يمكن وضعها في سياق آخر، خصوصاً أنها تعبر عن توجّه فئات تُصنّف على أساس أنها من "النخبة" في المجتمع، بينما الإنتخابات العامة تكون مفتوحة أمام مختلف الفئات الإجتماعية.
في هذا الإطار، يمكن إعطاء مثالاً حيال ما حصل في إنتخابات نقابة المهندسين، في الفرع الذي يمثل موظفي الدولة، حيث نجحت الأحزاب في الفوز بمختلف المقاعد المخصصة لها. لكن في المجمل فازت "النقابة تنتفض" بـ3 فروع من أصل 4 وبـ220 مندوباً ومندوبة من أصل 283 مقعداً، مع الإشارة إلى أنه في معركة هيئة المندوبين الذين ترشحوا بإسمها هم 231 مندوباً ومندوبة.
حول هذا الموضوع، يشير الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن قراءة نتائج إنتخابات نقابة المهندسين تتطلب إنتظار نتائج إنتخابات النقيب في 18 تموز المقبل، لكنه يلفت إلى أن الإنتخابات النقابية لا يمكن أن تكون مؤشراً لمزاج الناخبين في الإنتخابات النيابية المقبلة.
ويوضح شمس الدين أن قطاع المهندسين هو من أكثر القطاعات العاطلة عن العمل في المرحلة الراهنة، الأمر الذي قد يفسر حالة الإعتراض التي تم التعبير عنها في صناديق الإقتراع، معتبراً أنه على مستوى الإنتخابات النيابية، يرتبط الناخبون بطوائفهم وأحزابهم بشكل أوسع، لا سيما أن المهندسين يعتبرون من النخبة في المجتمع.
من جانبه، يعتبر مدير عام شركة "ستاتيستكس ليبانون" ربيع الهبر، في حديث لـ"النشرة"، أن الحديث عن إحتمال أن تكون الإنتخابات النقابية مؤشر للإنتخابات النيابية واقعي جداً، لكنه في المقابل يلفت إلى أن الظروف في الإنتخابات النيابية تختلف جذرياً ومن الصعب أن تترجم الحالة الراهنة.
من وجهة نظر الهبر، المؤشر الأساسي هو أن المجتمع المدني أو القوى التغييرية قادرة على إحداث خرق عندما تكون موحّدة، بينما في الماضي، عندما لم يكن هناك لوائح موحدة، كان يحصل خرقاً في هذا المكان أو ذاك، إلا أنه يوضح أن من الصعب، منذ الآن، الحديث عن حجم ما قد تحققه في الإنتخابات النيابية.
بالعودة إلى الإستحقاق الأهم، أي الإنتخابات النيابية المقبلة، يوضح شمس الدين أن المتوقع، في حال إستمرار الواقع على ما هو عليه، هو تراجع نسبة الإقتراع في الإنتخابات النيابية، كتعبير عن إعتراض المواطنين على القوى السياسية التقليدية بالإضافة إلى غياب البديل المقنع، وبالتالي بعد أن كانت 49% قد تصبح نحو 30%، لكنه يرى أن قياس التوجهات الفعلية لا يمكن أن يتم إلا قبل نحو 4 أشهر.
بينما يشير الهبر إلى أن إستمرار الظروف الإقتصادية والإجتماعية بالتدهور سيصب في صالح القوى المعارضة، لا سيما أنها في الأصل ظهرت كحالة إعتراضية على المعاناة التي يمر بها جميع المواطنين، بينما ستكون تداعياتها سلبيّة على أحزاب السلطة، التي تحمل مسؤولية ما يحصل.
في سياق متصل، لدى بعض الأوساط المعارضة مخاوف حقيقية من أن تدفع نتائج الإنتخابات النقابية، التي تظهر تراجع قوى السلطة، إلى العمل على تأجيل الإنتخابات النيابية، نظراً إلى قناعتها بأن الأحزاب والتيارات التقليدية لن تقبل الذهاب إلى هذا الإستحقاق، في حال شعرت أن النتائج لن تكون لصالحها أو على الأقل الخرق لن يكون بالحجم الذي يؤثر عليها.
في المحصّلة، تعتبر هذه الأوساط، عبر "النشرة"، أنّ الهدف الأساسي في المرحلة المقبلة يجب أن يكون العمل على تأمين حصول هذه الإنتخابات في موعدها، سواء كان ذلك عبر تأمين المظلّة الدولية اللازمة أو عبر زيادة الضغوط على السلطة السياسية، بالإضافة إلى إطلاق ورشة عمل لتشكيل قوى المعارضة لوائح واحدة، بالرغم من قناعتها بأن هذا الأمر لن يكون سهلاً، بسبب دخول العوامل السياسية بشكل كبير، على عكس ما هو الحال في الإنتخابات النقابية، وهو ما منع، طوال الفترة الماضية، تشكيل جبهة موحدة.