لم يعد الملف الحكومي أولويّة لدى اللبنانيين، فالمصائب التي تنهار فوق رؤوسهم تحتاج منهم إلى كل تركيزهم. أمس ارتفع سعر المحروقات بحدود الـ15 ألف ليرة، وهو أمر لم يحصل سابقاً في تاريخ الدولة اللبنانية، ومن المرجّح أن يرتفع أكثر بعد أسابيع، وهذه المصائب التي تتفرج عليها حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسّان دياب، تحتاج إلى حكومة أصيلة تتحمل المسؤولية، ولكن يبدو أن هناك من اقتنع بأن الحكومة المقبلة يجب أن تكون حكومة انتخابات.
هناك رأي في لبنان يقول بأن الأزمة ستستمر وتتوسع إلى حين إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة، كون المجتمع الدولي والدول الأجنبية والعربية لن يقدمون على تقديم المساعدة إلى سلطة لا يرغبون باستمرارها.
تُشير مصادر نيابية مطّلعة عبر "النشرة" إلى أن أصحاب هذا الرأي يعتبرون أن "تعويم السلطة الحالية" سيعني انتصارها في الإنتخابات المقبلة، وهو ما لا يريدونه في الخارج، خاصة بعد إعلان انحيازهم بشكل واضح إلى مرشحي المعارضة والمجتمع المدني وقوى الحراك الشعبي. تعتقد المصادر أن الأزمة ستستمر لكي لا يكون الحل على يد القوى في السلطة، مشيرة إلى أن الهدف هو استمرار المشاكل للإمعان أكثر في تشويه صورة أحزاب السلطة، التي وللمناسبة لا تفعل شيئاً لتغيير هذا الواقع، لا بل تساهم به.
يعتمد أصحاب هذه النظرية لتأكيد صوابيتها على توجه الدول الغربية نحو حل يقول بتشكيل حكومة انتخابات في لبنان، وبالتالي التسليم ببقاء الأزمات على ما هي عليه لحين إجراء الإنتخابات النيابية، وفي هذا السياق تؤكد المصادر أن الفرنسيين توافقوا مع الأميركيين على تشكيل حكومة انتخابات، تضع قواعد التواصل مع صندوق النقد، وتُجري الإنتخابات في موعدها.
وتكشف المصادر أن النقاش تقدّم في هذه المسألة، وهناك من بدأ بطرح أسماء لترؤس حكومة الإنتخابات، وهناك من أعاد طرح أسماء طُرحت سابقاً وكلّفت سابقاً بتشكيل حكومة وفشلت، معتبرة أن تبلور هذه الصيغة قد لا يحصل قبل شهر أيلول، وهو موعد بدء العمل الإنتخابي الجدي.
بالمقابل هناك نظرية أخرى في لبنان تملك جمهوراً واسعاً أيضاً، تنفي اطاحة الفرنسيين أطاحوا لفكرة مبادرتهم، وتعتبر أن تشكيل الحكومة لا يزال مطلباً دولياً واسعاً وأن ما يمنع التشكيل هو الإتفاق الداخلي.
في هذا الإطار، تتحدث مصادر سياسية مؤيدة لهذه النظرية عن مساعٍ دولية تضغط باتجاه تشكيل الحكومة، وهذه المساعي تترافق مع عمل داخلي نشط في نهاية الأسبوع الماضي لأجل تذليل عقبة وحيدة متبقية هي عقبة الثقة.
وتضيف المصادر عبر "النشرة": "أصبح حل مشكلة تسمية الوزيرين المسيحيين شبه جاهز بأن يسمي رئيس الحكومة المكلف ويختار رئيس الجمهورية من لائحة الأسماء، ولكن مشكلة إعطاء الثقة لا تزال هي المتبقية، فرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يرفض إعطاء سعد الحريري الثقة".
لا داعي للغوص طويلاً في تفاصيل المفاوضات كونها كلها تتمحور حول هاتين النقطتين، ولا تزال الامور تراوح مكانها، لذلك من غير المعروف متى تنتهي هذه المفاوضات، وهل ستنتهي بالفشل أم بالنجاح. المعروف في كل ما يجري هو أن المعاناة الشعبية ستزداد، والفوضى تقترب كل يوم أكثر.