على وقع الفوضى التي تشهدها الساحة اللبنانية، في أكثر من مكان، لا سيما أمام محطات المحروقات، يبدو أن البلاد تقترب، يوماً بعد آخر، من خيار إعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، كمقدمة نحو الإتفاق على تشكيل حكومة إنتخابات، على إعتبار أن خيار الذهاب إلى تشكيل أخرى تكون مهمتها إتخاذ قرارات كبرى غير متوفر في الوقت الراهن، وهو ما يُفسر الحديث، في العديد من الأوساط، عن أن البحث لم يعد في مرحلة الإعتذار، بل في المرحلة التي تلي هذه الخطوة.
في هذا السياق، قد يكون من الضروري الإشارة إلى أن هذه الحكومة لن تكون قادرة على معالجة أي من الأزمات المالية أو الإقتصادية، بل ان أقصى ما يمكن أن تطمح إليه هو الحد من التداعيات الكارثية على المواطنين، عبر الحصول على مساعدات إنسانية تقدم من بعض الدول المانحة.
وتشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى وجود قرارين حاسمين في الملف اللبناني، الأول هو إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة في موعدها، أي في شهر أيار من العام المقبل، حيث لا يمكن اللعب في هذا الموعد في ظل الضغوط الدولية الواضحة في هذا المجال، بالإضافة إلى عدم قدرة القوى المحلية، التي قد يكون من مصلحتها تأجيل هذا الإستحقاق، على التسويق لمثل هذا الخيار.
أما القرار الثاني، فهو منع البلاد من الوصول إلى مرحلة الفوضى الأمنية الشاملة، في تكرار لما حصل في طرابلس لساعات، أول من أمس، نظراً إلى أن هذا الأمر يؤثر على القرار الأول، كما أن تداعياته ستكون خطيرة جداً على أوضاع المنطقة برمتها، وتلفت المصادر نفسها إلى أن ليس هناك من جهة خارجية، دولية أو إقليمية، فاعلة على الساحة اللبنانية لها مصلحة في ذلك.
بناء على ما تقدم، ترصد هذه المصادر التحركات التي تحصل على أكثر من صعيد في الأروقة الدولية، أبرزها قد يكون الإجتماع الذي ضم وزراء خارجية فرنسا جان إيف لودريان وأميركا أنطوني بلينكن والسعودية فيصل بن فرحان، بعد إجتماع آخر ضم لودريان وبلينكن في وقت سابق تم فيه الإعلان عن التوافق على إدارة مشتركة لملف لبنان، وترى أن دخول الرياض على خط المشاورات، بعد أن كانت تبدي لا مبالاة تجاه هذا الملف، يعني أن هناك أمراً ما يحصل.
من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، لا يمكن، في هذه المرحلة، الحديث عن أن الحراك الدولي من الممكن أن يقود إلى تشكيل حكومة مهمة، كما كان يتمنى الحريري عند تكليفه، خصوصاً أن الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد الإنتخابات لم تعد تسمح بذلك، بالإضافة إلى أن أي مهمة، مالية أو إقتصادية، تتطلب وقتاً قبل الوصول إلى إتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي يعتبر البوابة الأساسية والإلزامية لحصول لبنان على أي مساعدات.
إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أنه بالإضافة إلى عدم رغبة القوى الخارجية، التي يفضل معظمها فرض عقوبات على القوى السياسية التقليدية أو الرهان على تبدلها، ليس هناك مصلحة لدى الأحزاب أو التيارات كافة بالدخول في حكومة توصف بالإنتحارية، نظراً إلى أن القرارات المنتظرة منها بدأت ملامحها بالظهور، كرفع الدعم الجزئي عن المحروقات والأدوية، وبالتالي هي قد تفكر بالإبتعاد عن المشهد للتحضير للإستحقاق الإنتخابي، على أن تُسلم الأمور لحكومة مستقلين من غير المرشحين للإنتخابات.
في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أن حكومة الإنتخابات هي الخيار الأكثر ترجيحاً، في الوقت الحالي، رغم قناعتها بأن الإتفاق حولها مرتبط بأمرين أساسيين: الأول هو زيادة منسوب الفوضى الإجتماعية، أما الثاني فهو إرتفاع وتيرة الضغوط الخارجية على الأفرقاء المعنيين، إلا إذا كان هناك من لا يزال يراهن على أن الفوضى قد تساعده على تأجيل الإستحقاق الإنتخابي.