يبدو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب قرر الاستمرار في "الابداعات" التي يخرج بها على اللبنانيين منذ لحظة تسلمه مهامه، ليضيف على "الإنجازات" التي يدّعي تحقيقها "انجازاً" جديداً أقل ما يُقال فيه أنه إهانة لجميع المواطنين، نظراً إلى أنه يتجاهل كل المعاناة التي يعانون منها من أجل أن يحقق أهدافه الشخصية.
طوال الفترة الماضية، كان دياب، الذي أمضى أشهراً يخبر اللبنانيين عن ممارسات المنظومة التي سرقتهم من دون أن يجرؤ على تسمية أي من أركانها، يتحجج باستقالة الحكومة كي يتخلى عن مسؤولياته في تصريف الأعمال، الأمر الذي ترجم بالذلّ الذي يعيشه المواطنون في طوابير أمام محطات المحروقات من أجل الحصول على البنزين، أو على أبواب الصيدليات بحثاً عن الأدوية المفقودة أو حليب الأطفال، لكنه لم يجد ما يمنعه من أخذ قرار بـ"سرقة" جزء من أموال المودعين، بهدف تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بمبلغ 500 ألف يورو.
في هذا السياق، ليس الهدف من هذا المقال السؤال عن جدوى عمل المحكمة الدولية، التي لم تخرج بقرار واضح حتى الآن، لا بل تُثار حول أعمالها الكثير من علامات الاستفهام، ولا التقليل من أهمية الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، بل السؤال عن الهدف من استفزاز اللبنانيين، الذين خسروا جنى عمرهم بالإضافة إلى قيمة رواتبهم التي باتت لا تكفيهم لدفع فاتورة المولدات الخاصة فقط، من خلال هذا القرار، حتى ولو كان المبلغ المطلوب يورو واحد فقط وليس 500 ألف.
قد يكون من المفيد تذكير رئيس حكومة تصريف الأعمال بأن ما أقدم عليه يرتقي إلى مرتبة الخيانة العظمى أو الجريمة بحق جميع اللبنانيين دون استثناء، طالما أنه يدرك مسبقاً أن العملات الصعبة، التي من الممكن أن تستخدم من قبل الدولة اللبنانية، محدودة جداً، يجب البحث عن كيفية استخدامها بأفضل وسيلة ممكنة حتى يحين موعد الخروج من الأزمة الخانقة، مع العلم أنها أموال خاصة تعود إلى المودعين في المصارف، وبالتالي هم أحق بها من أيّ جهة أخرى، طالما أن القرار هو استخدامها بهذا الشكل.
البحث عن أسباب اقدام دياب على هذه الجريمة ليس بالمهمة المستحيلة، طالما أن الرجل، بعد استقالته، قرّر أن يركز كل جهوده على كيفية الانضمام إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين، لا سيما بعد الدعم الذي حظي به بعد قرار المحقّق العدلي السابق في جريمة انفجار مرفأ بيروت الادعاء عليه، لا بل أن هناك من يؤكد أن رئيس حكومة تصريف الأعمال بات يطمح إلى أن يمُنّ عليه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بمعقد نيابي في بيروت، عبر ضمّه إلى لائحته.
من حقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال أن يطمح إلى المنصب الذي يريد، سواء كان في النيابة او الوزارة أو رئاسة الوزراء، لكن الأكيد أن ليس من حقه أن تكون الوسيلة هي أموال المودعين أو المغامرة بمستقبل اللبنانيين، خصوصاً أن الأولويات يجب أن تكون تأمين صمودهم وحفظ كرامتهم، لا سيما الفئات الأشد فقراً منهم، لا البحث عن "تبييض" الوجه أمام الزعامة الطائفيّة، ولربما كان الأفضل أن يتمّ تحويل هذا المبلغ لحساب المؤسّسة العسكريّة، بدل أن يتفرج عليها تطلب المساعدات من دول العالم لتأمين المواد الغذائية لعناصرها وضباطها.
في الختام، يجب أن يعلم دياب، منذ اليوم، أن كل تأخير في فتح الاعتمادات لشراء السلع التي تهم المواطنين، لا سيّما الأدوية أو المستلزمات الطبّية أو حليب الأطفال، يتحمّل مسؤوليته شخصياً، طالما أنه يملك القرار لتحويل أيّ مبلغ لأخذ هكذا قرارات، فهل يسمح له ضميره في تحّمل مسؤولية فقدان هكذا سلع في المستقبل، لأنه في لحظة ما قرر أن يصرف 500 ألف يورو في مكانها غير الصحيح؟.