في صيف العام 1921 أسس الرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ الحزب الشيوعي الصيني مع مجموعة من المفكرين الماركسيين اللينيين بهدف وضع الخطط والدراسات الهادفة إلى نقل الصين إلى مصاف الدول المنتجة اقتصادياً والمؤثرة في الصعيد العالمي إضافة إلى تعزيز قدراتها الذاتية ورفع مستوى معيشة المواطن الصيني، ومنذ ذلك الحين شهدت الصين أعظم نهضة حياتية واقتصادية وإنمائية وتكنولوجية ليتحول الحزب الذي أسسه ماو تسي تونغ إلى واحد من أقوى الأحزاب السياسية في العالم وخصوصاً بعدما أثبت أنه حزب متمسك بالمبادئ القائمة على رفعة الصين من خلال تأمين العدالة الاجتماعية للصينيين.
على الرغم من كلّ الهزات الإقليمية والدولية بقيت الصين ماضية قدماً في المسار الذي رسمته لنفسها وطورت من أساليب أدائها وديمقراطية العمل داخل الحزب والدولة والمجتمع، معتمدة مبدأ النقاش الديمقراطي المستمر بين أعضاء الحزب للوصول إلى اتخاذ قرارات كفوءة من شأنها قيادة الدولة والمجتمع.
في العام 2017 ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطبة لافتة عبّر فيها عن رؤية ثاقبة لتوجه الصين حتى عام 2050 وقال إن ما وصلنا إليه هو نتيجة حوارات دامت سنتين بين مليوني عضو في الحزب الشيوعي الصيني، تلك الحوارات التي أفضت إلى إنجاز مبادئ رسمت طريق الصين الناجحة.
– التمسك بمبادئ وقيم الحزب الشيوعي.
– تحرير الأفكار وطلب الحقيقة من الواقع.
– العمل بكل جهد لخدمة الشعب الصيني بأمانة وإخلاص.
– الحفاظ على نظام المركزية الديمقراطية.
– بلورة وترجمة فكرة المصير المشترك للبشرية جمعاء.
إن المبادئ الخمسة تؤكد أن الديمقراطية التي تبناها الحزب الشيوعي في الصين ليست مستنسخة من الديمقراطية الليبرالية الغربية القائمة على حكم النخبة الرأسمالية الأغنى في المجتمع وعلى استعباد الشعوب واستعمارها ونهب ثرواتها، بل هي ديمقراطية نشأت في الصين على أيدي صينيين حريصين على سلامة بلدهم وازدهار شعبهم، ومن أجل تقدم الصين ورقيّ الصينيين، وهذا بالذات ما لا ترضاه الليبرالية الغربية المبنية على الفكرة الاستعمارية الاستعلائية لأنها تعتبر ذلك خروجاً من بيت الطاعة الاستعماري الغربي ولأنه من غير المسموح عند النموذج الاستعماري الأميركي القبول بنشوء نموذج آخر لا يتوافق ومبادئه وغاياته الاستعمارية.
ها هي جمهورية الصين اليوم برئاسة الرئيس شي جين بينغ تجدد شباب مبادئها التأسيسية محتفية بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني الحافل بإنجازات مهمة جعلت من الصين عملاقاً متقدماً في المنافسة ومتحدياً لكل المحاولات الأميركية الهادفة للنيل من تقدم الصين.
وبلهجة الواثق وبلغة التحدي قال الرئيس الصيني شي جين بينغ. إن «زمن اضطهاد الصين، العملاق الآسيوي، والتنمر عليه ولّى إلى غير رجعة» وإن النهضة التي تشهدها الصين هي «مسيرة تاريخية لا رجعة فيها»، وخصوصاً في تأمين ارتفاع الدخل واستعادة الكرامة الوطنية».
وختم قائلاً: إن الحزب الشيوعي في الصين حقق «تجديد شباب المبادئ الوطنية»، ورفع عشرات الملايين من الفقر و«غيَّر مشهد التنمية العالمية».
من هنا يمكننا التعرف إلى أساس الهجمة الأميركية والغربية الشرسة على الصين الهادفة إلى كبح جماح الصين العلمي وفرملة تقدمها الاقتصادي والتقني والتكنولوجي بعدما أثبتت الصين أنها دولة تمسكت بمبادئ العدالة الاجتماعية ونجحت في القضاء على آفة الفقر بين شعبها الذي بلغ المليار ونصف المليار.
أيضاً يأتي الهلع الأميركي من فرصة ارتقاء الصين لمستوى احترام الشعوب كافة في تقرير مصيرها وبقدراتها الذاتية وخصوصاً بعد بروز النموذج الصيني عالمياً والترحيب به من الدول المستضعفة ولاسيما بلادنا العربية بعدما عمدت سياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى استنزاف قدرات بلادنا والسطو على ثرواتها وعطلت نموها ما ترك آثاراً سلبية ومدمرة على أوطان وشعوب المنطقة العربية.
إن فكرة المصير المشترك للبشرية جمعاء والتي تشكل مبدأً أساسياً لعمل القيادات الصينية هي فكرة تناقض الأسس التي بني عليها النظام الاستعماري الغربي القائم على الإملاءات والهيمنة على القرار السيادي ونهب مقدرات الشعوب وتنظيم الانقلابات والاختراقات المخابراتية للأنظمة الوطنية وخاصة تلك المناهضة للسياسات الغربية والأميركية، وهي أسس قامت أيضاً على هيمنة الغرب على قرارات مجلس الأمن والقرارات الدولية والتحكم بمصائر الشعوب ونهب ثرواتها لتمويل الصناعة العسكرية والجيوش الغربية التي تعود لتحتل وتقهر بلدان وشعوب العالم.
إن معيار صحة توجّه أي حزب في أي بلد هو مدى خدمة هذا الحزب لواقع الوطن وشعبه؛ فإن كان بنّاء ومطوّراً ومحققاً للرفاه والحياة الحرة الكريمة فهذا يعني أنه جدير بمكانته، وخاصة إذا كان أيضاً يعمل على توافق عالمي للبناء والتطوير بنظرة المساواة في الكرامة بين بني البشر من دون تمييز على أساس لون أو عرق أو طائفة أو جنس أو طبقة أو دين. ولا شك أن الإستراتيجية التي وضعها الحزب الشيوعي الصيني اعتمدت على الحقيقة النابعة من الواقع وأنه «لا يهم لون القطة» كما قال الزعيم شياو بينغ ولكن المهم «أنها تستطيع صيد الفئران»؛ أو باتباع المثل الصيني الشائع «لا تعط السائل سمكة بل علّمه فن اصطياد السمكة».
بمعنى أن العمل والفعل والإنتاج يبقى الأهم وليس بالكلام والتنظير وبهذه الروح خطت الصين خطوات جبارة في نصف القرن الأخير واستفادت من كل التجارب العالمية ومن تجربة انهيار الاتحاد السوفييتي، فدرست التجربة وقررت الانفتاح على العالم برمته مع استمرار عجلة البناء الداخلي ومحاربة الفقر، والتطور العلمي ومدّ يد العون للشعوب المستضعفة ونشر ثقافة «عالم واحد» ومبدأ «رابح رابح» وليس بالجنوح صوب مبدأ «فرّق تسد» الذي تتبعه قوى الاستعمار الأميركي الغربي.
إن تجربة الصين السياسية والاقتصادية والاجتماعية جديرة بالدراسة والاستفادة منها إلى أقصى مدى وخاصة أن نهوض الصين الفعلي تحقق خلال خمسين عاماً الماضية بالتزامن مع تحرر معظم شعوبنا العربية من الاستعمار الغربي، ولكن التجارب أثبتت أن التحرر لا يتحقق فقط برحيل القوات العسكرية الغربية بل يتحقق حين تتحرر العقول من التبعية الاستعمارية ويترسخ الإيمان بالحضارة والثقافة والقدرة الذاتية على البناء والعطاء، وتُتخذ كل الإجراءات التي تكفل مساحة الإبداع والعطاء المتميّز لمحاربة كل التصدعات التي يتسبب بها الانتهازيون.
في الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني نحيّي ما قام به هذا الحزب العظيم من معجزات في نهضة الصين متمسكاً باستقلاليته وشخصيته الصينية ومطلّاً على العالمية من مخزون عريق يسهم في نهضة البشرية جمعاء.
الدرس المستفاد هنا هو الثقة بالنفس والابتعاد عن الادعاءات والدعايات الغربية المغرضة لأن الأميركي خصوصاً والغرب عموماً ليس لديهم أي عاطفة تجاه منطقتنا العربية بعدما تخصصوا بنهب ثرواتنا ومنع تقدم ونمو شعوبنا وبلادنا جاعلين منها منطقة عبور لصناعة مستقبلهم، فهم لا يقيمون لشعوبنا وزناً ولا يحترمون حقوقنا ولذلك علينا اتباع النهج الصيني الناجح والفعّال وأن نعزّز من قوة أحزابنا ومؤسساتنا كما هو الحال في الصين وأن نتخذ من التجربة الصينية أنموذجاً لتطوير وتقدم شعبنا وبلادنا العربية.