شكل انعقاد مؤتمر تجديد الخطاب الإعلامي الوطني القومي المقاوم، بدعوة من اللقاء الإعلامي الوطني، محطة هامة أكدت على أهمية دور الإعلام في المعركة وإدارة المواجهة مع العدو الصهيوني وقوى الهيمنة الأميركية الغربية الاستعمارية، وضرورة الارتقاء بدور هذا الإعلام في هذه المعركة المتواصلة في ساحاتها المختلفة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية.. استناداً إلى انتصارات المقاومة وقوة الحق والمصداقية والصدقية التي تستند إليها المقاومة كما قال أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله خلال كلمته في افتتاح أعمال المؤتمر.
على أنّ تطوير أداء الإعلام الوطني والقومي المقاوم، يجب أن يستند إلى الإنجازات التي حققها، وفي ذات الوقت العمل على سدّ الثغرات التي ظهرت، ومعالجتها، والاستفادة من التطوّر الحاصل في الإعلام الالكتروني:
اولاً، نجحت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني، بقيادة حزب الله، في الربط بين عملياتها الناجحة ضدّ مواقع جيش العدو وعملائه، ودور إعلامها الحربي الذي كان ينقل، بالصوت والصورة، مشاهد اقتحام المقاومين مواقع العدو والعملاء، أو الكمائن التي كانت تنصب للدوريات العدو إلى جانب مشاهد القتلى والجرحى الذين سقطوا من الضباط والجنود الصهاينة في الميدان.. وعندما كان الناطق باسم جيش العدو ينفي وقوع إصابات في صفوفه لتجنّب الانعكاسات السلبية على الرأي العام الصهيوني، كانت المقاومة تسارع إلى تكذيب العدو ببث مشاهد عملياتها وصور الجنود القتلى والجرحى، الأمر الذي كان يترك انعكاسات سلبية مضاعفة داخل كيان العدو، ويصبح إعلام المقاومة، وتحديداً تلفزيون “المنار”، أكثر مصداقية وصدقية، في ما يقوله ويبثه، لدى المستوطنين الصهاينة وأسر جنود العدو، مما يعلنه الناطق الرسمي الصهيوني.. وبالقدر نفسه كانت المشاهد التي يبثها تلفزيون “المنار” لعمليات المقاومة وخسائر العدو في الميدان ترفع معنويات جمهور المقاومة والرأي العام العربي، الذي يزداد إيماناً وثقة بالمقاومة وقدرتها على مقارعة جيش العدو وتحطيم جبروته وأسطورته..
بهذا الأداء الإعلامي الذي يوثق إنجازات المقاومة في الميدان ويوظف انتصارات المقاومين في الوعي الشعبي، أحدثت المقاومة تحوّلاً نوعياً في إدارة المواجهة مع العدو، وبرهنت انّ قوة الإعلام وتأثيره إنما يستمدان من انتصارات المقاومين في الميدان، ومن مصداقية المقاومة…
ثانياً، انطلاقاً مما تقدم نجح إعلام المقاوم في إحداث الانقلاب في معركة الوعي، من جهة تمكن من كيّ الوعي الصهيوني، ومن جهة ثانية أسقط مفاهيم اليأس والإحباط والهزيمة والانكسار من عقل المواطن العربي… لا سيما بعد انتصار المقاومة عام 2000، وعام 2006، ومشاهد تدمير وإحراق دبابات الميركافا، في سهل الخيام ووادي الحجير، وتدمير البارجة ساعر بإشارة من قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله على الهواء مباشرة عندما قال: انظروا إليها تحترق، فأحدثت تحوّلاً في مسار الحرب، وزلزالاً في الرأي العام الصهيوني، وجيش الاحتلال الذي تحطمت معنويات جنوده.. حيث تكرّست هزيمة الجيش الذي كان يصوّر انه لا يُقهر، وترسّخت قدرة المقاومة الشعبية المسلحة على تحقيق النصر والتحرير… وسقطت معها التبريرات التي سيقت لعقد اتفاقات الصلح مع العدو.. في كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة..
ثالثاً، نجحت الانتفاضة الشعبية في فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر والمقاومة المسلحة في قطاع غزة، خلال المواجهة الأخيرة مع العدو الصهيوني والمستوطنين الصهاينة، في توظيف شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الالكتروني في الدفاع عن الحق العربي الفلسطيني وفضح الجرائم والعنصرية الصهيونية، وزيف الدعاية الصهيونية التي تزعم الدفاع عن النفس، وتدّعي انّ الصهاينة ليسوا محتلين لأرض الفلسطينيين، لتبرير ارتكاب مثل هذه الجرائم، بل أكثر من ذلك لقد نجح الشباب الفلسطيني في إظهار حقيقة معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني والمغتصبين الصهاينة لبلاده، ومن ممارسات الاحتلال التعسّفية، ومصادر أراضي الفلسطينيين وهدم منازلهم إلخ… وقد أثمر هذا الاستخدام الناجح لشبكات التواصل الاجتماعي في تبديل الصورة لدى الرأي العام العالمي وكشف حقيقة ومظلومية الشعب الفلسطيني والطبيعة الحقيقية للصراع الدائر على أرض فلسطين المحتلة…
رابعاً، مقابل هذه النجاحات للإعلام المقاوم، والذي يتطلب أيضاً تطويراً وتحديثاً كأيّ شيء في الحياة، فإننا نعاني من ثغرات في مواجهة الحرب الاقتصادية التي تستهدف المقاومة وإنجازاته والمثال والنموذج الذي جسدته بالنسبة لجماهير الأمة، وخصوصاً محاولة الإعلام التابع للاستعمار تشويه سمعة المقاومة وتحميلها مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تتسبّب بها الحرب الاقتصادية الأميركية الغربية، والسياسات الريعية التي انتهجتها حكومات تابعة لقوى الهيمنة الاستعمارية.. ففي هذه المعركة التي تستهدف كيّ الوعي الشعبي الداعم للمقاومة وجعله ينقلب ضدّ المقاومة، بدأ يسود مناخ ينتقد حزب الله وحلفاؤه بسبب تزايد الأزمات المعيشية وعدم إيجاد الحلول لها، أو العمل على التخفيف من حدتها… وإذا كان من الضروري للإعلام الوطني والمقاوم كشف وفضح وتعرية الجهات الخارجية والداخلية التي تقف وراء هذه الأزمات التي يعاني منها الناس، وأهمية التصدي لها والصمود في مواجهتها، فإنّ هذا الإعلام يعاني من ثغرة وهي انه لا يملك أسلحة يعزز بها موقفه لإسقاط أهداف الحملة الإعلامية المعادية.. مثل:
1 ـ ممارسة حملة ضغط شعبية ضدّ شبكات الشركات الاحتكارية وشركات الأموال التي تتلاعب بسعر صرف الدولار، والأطراف السياسية الفاسدة والمتواطئة والشريكة معها.. ومحاصرة مباني هذه الشركات..
2 ـ القيام بحملة شعبية ضدّ السفارات الغربية التي تمارس الحصار الاقتصاد الذي تفرض الولايات المتحدة والدول الأوروبية التابعة لها…
3 ـ اتخاذ إجراءات عملية لكسر الحصار الغربي، وتحكم مافيات الشركات بتوزيع المشتقات النفطية، والمواد الغذائية، وذلك عبر استيراد هذه المواد من قبل شركات خاصة من الدول التي أبدت الاستعداد للتعاون مع لبنان ومساعدته على التخفيف من أزماته، مثل سورية وإيران، والعراق، والصين، وروسيا إلخ…
انّ اعتماد مثل هذه الخطوات العملية يسلح الإعلام الوطني المقاوم بمادة مهمة لتعبئة الرأي العام وإقناعه بالموقف الوطني المقاوم الذي يقاوم الحرب الاقتصادية الأميركية الغربية، وبالتالي يسهم في إسقاط أهداف هذه الحرب التي تستهدف إخضاع لبنان للهيمنة الاستعمارية الكاملة، وتحقيق الأهداف الصهيونية لإضعاف ومحاصرة المقاومة وفرض اتفاق تحديد الحدود البحرية على حساب مصلحة لبنان وحقوقه في ثرواته النفطية والغازية…
انّ خوض المعركة الاقتصادية والاجتماعية، لا يقلّ أهمية عن خوض المعركة العسكرية ضدّ الاحتلال، بل انه يعزز نضال المقاومة المسلحة وإنجازاتها.. وهذا الأمر أكدته المقاومة من خلال خوضها معركة إغاثة المهجرين خلال حرب تموز عام 2006 وبعد الانتصار على العدوان بتوفير المأوى لهم، ومن ثم إعادة إعمار ما دمّره العدوان والتعويض على المتضرّرين، الأمر الذي عزز انتصار المقاومة وأحبط مخططات أعدائها لإجهاضه.