حدثان بارزان كسَرا الـجمود الـمسيطِر على الساحة السياسية ونفَحا روح الأمل فـي نفوس اللبنانيــيـن :
الصلاة من أجل لبنان فـي الفاتيكان التـي دعا إليها البابا فرنسيس.
وطلَب الـمحقِّق العدلـي فـي جريـمة 4 آب القاضي طارق البيطار رَفع الـحصانة عن قادة ووزراء ونواب من أجل الإدّعاء عليهم.
الـحدَث الأول حرّكَ الضميـر العالـمي ووضعَ القضية اللبنانية فـي واجهة الأحداث.
والـحدَث الثانـي حرّكَ التحقيق الـمجمَّد منذ 11 شهراً، ودخلَ إلـى الـمغارة الوسخَة والـمُحصَّنة التـي لـم يـجرؤ "إبن مَرا" على دخولـها، وأعطى بعض الأمل لأهل الضحايا فـي كشف الـحقيقة وتـحقيق العدالة.
إنّ الـهدف الأول لدعوة الفاتيكان رؤساء الطوائف الـمسيحية فـي لبنان، هو إيـجاد السبل الكفيلة بتعزيز صمود الـمسيحيـيـن فـي أرضهم، ومساعدتـهم بشتّـى الطرق كي لا يُهاجِروا كما فعلَ إخوانـهم فـي سوريا والعراق، والطلب من الـمجتمع الدولـي بصوت الكنيسة الـجامعة الواحدة : تـحيـيد لبنان عن صراعات الـمنطقة، ومساعدته سياسياً ومالياً لتجاوز أزماته الـحياتية والإجتماعية، ومَنع تغيـيـر وجهه الـحضاري.
هذا البلد "الصغيـر العظيم" الذي وصفه قداسة البابا بـ "الكنـز"، لا يزال يغرق فـي أزماته، ويُدمَّر ويتـحلّـل على أيدي الـمتسلِّطيـن عليه، وكل يوم يزداد الفقر والبطالة والـهجرة، وتــزداد طوابـيـر الذلّ أمام مـحطّات الوقود والصيدليات والـمستشفيات ... لذلك، لـم يتـردّد البابا فرنسيس فـي تـحميل الـمسؤولية للسياسيـيـن،كل السياسيـيـن، وخصوصاً الطبقة الـحاكِمة، بسبب وضع مصلحتهم الشخصية فوق مصلحة البلد، واستخدام لبنان لـمصالـح ومكاسب خارجية، فـي إشارة إلـى "حزب الله" وإيران وأتباعهما، مشَدِّداً على وجوب عدم تَرك هذا البلد لـمصيـره تـحت رحـمة هؤلاء الذين يسعون من دون ضميـر إلـى خدمة مصالـحهم الـخاصة والفئوية.
هذا التحرُّك الفاتيكانـي فـي شأن لبنان لن يتوقف، قبل تـحرير الشرعية من سطوة السلاح الإيرانـي، واستعادة القرار الوطنـي، وتـحيـيد لبنان عن الصراعات الإقليمية، وبَسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، فلا يبقى إلاّ سلاح واحد وجيش واحد ودولة واحدة ...
لقد شاهدنا بالأمس الإجتماع الأميـركي – الفرنسي - السعودي فـي إيطاليا، وسنشهد إجتماعات أخرى على صعيد الأمم الـمتحدة ومـجلس الأمن فـي وقت قريب.
"لا تيأسوا ولا تفقدوا الروح، بل إبـحـثوا عن جذور تاريـخكم وعن الرجاء لِتُزهِروا من جديد"، قال قداسة البابا.
أمّا الـحدث الثانـي، فكان فـي الـحقيقة مفاجأة مدوّية قضَّت مضاجِع الطبقة الفاسِدة التـي لـم تـتعوّد يوماً الـمُساءلة والـمُحاسبة.
إنّ قرار القاضي طارق البـيطار بـملاحقة كبار القوم من سياسيـيـن وأمنيـيـن فـي قضية تفجيـر مرفأ بـيـروت، هو قرار جريء وشجاع، يُشَرِّف القضاء اللبنانـي وينـتـشله من مستـنقَع الإستـزلام والتبعية الذي غرقَ فيه.
إنـنا نـحيّي جرأة القاضي البيطار ونقدِّر حجم الـمخاطر والضغوط التـي سيتـعرّض لـها، لكنـنا وباسم كل شهيد وجريح ومُعاق ومهجَّر نـناشده عدم الرضوخ أو التـراجع أمام أيّ ضغوط لعرقلة كَشف الـحقائق التـي من دون شكّ ستودي برؤوس كبـيـرة.
مَن سيتجرّأ من الـملاحَقيـن ويـحاول التلطّي وراء حصانـته ومرجعيّته الـحزبية والـمذهبـية ؟
ومَن سيتجرّأ من الـمسؤوليـن، مدنيـيـن كانوا أم عسكريـيـن أم روحيـيـن، ويـحاول حـماية أتباعِه ؟
هذا ما ستكشفه الأيام الـمقبلة... ولكن إعلموا جيداً يا أهل الفساد، مهما تسلّطتُم وتـجبّـرتُـم، ومهما إستقويتُم بالسلطة والسلاح، إنّ غضب الشعب آتٍ لا مـحالة، ولكلّ ظالـمٍ يوم حساب.
يقول النـبـي مـحمد : "أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة، مَن أشركه الله فـي سلطانه فـجارَ فـي حُكمه".