على وقع الأزمة الاقتصادية الآخذة في التفاقم، وبالترافق مع ذكرى حرب تموز 2006، تكثفت وتيرة الدخول الاسرائيلي على خط الساحة اللبنانية السائبة، والمنعدمة الوزن. فأيّ دلالات لهذا الأمر؟ وما حدوده في السياسة والميدان؟
بعد أيام من العرض الاسرائيلي المسموم والمبلّل بدموع التماسيح حول الاستعداد لتقديم مساعدات إنسانية الى لبنان، نَبّه رئيس الحكومة الجديد نفتالي بينيت الى انّ لبنان أصبح على حافة الانهيار الشامل نتيجة استيلاء إيران عليه، مؤكداً انّ تل أبيب متأهّبة (للتعامل مع كل الاحتمالات)، فيما نقل عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى تحذيره من انّ الازمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان قد تكون سبباً لاندلاع حرب ثالثة، معتبراً انّ تلك الحرب هي «مسألة وقت».
ولكن هل من مقدمات موضوعية لمواجهة واسعة النطاق بين جيش الاحتلال و»حزب الله» في هذا التوقيت؟ وهل الظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها لبنان يمكن أن تشكّل بيئة استراتيجية لعدوان إسرائيلي جديد؟
بعيداً من «الهوبرة» الإسرائيلية والسعي الى الاستثمار السياسي والاعلامي في الفوضى اللبنانية، ليست هناك أي مؤشرات عملية الى نشوب حرب قريبة، بل انّ الطرف الآخر المعني بها وهو «حزب الله»، يكاد يكون جازماً بأنها لن تقع في القريب المنظور لأسباب عدة، من دون أن يُسقط من حسابه، كما يفعل دائماً، إمكان ان تنزلق تل أبيب في لحظة تهور الى مغامرة مجافية للمنطق، وهذا ما يفسّر حرصه على البقاء في جهوزية تامة وعلى تطويرها باستمرار تحسّباً لأسوأ الاحتمالات حتى لو كانت نسبتها المئوية ضئيلة.
«لا حرب»، يؤكد قيادي في «حزب الله» أمام مُستفسرين منه عن أبعاد التهويل الاسرائيلي بإمكان ان يقود الانهيار الاقتصادي في لبنان الى مواجهة شاملة مع الحزب.
امّا اسباب استبعاد هذا السيناريو حتى إشعار آخر فيمكن تشريحها كالآتي:
- يأخذ الكيان الاسرائيلي في الحسبان أنّ «حزب الله» استطاع بناء «توازن ردع» فعّال، وأنّ اي حرب اليوم او غداً هي غير مضمونة النتائج بالنسبة إليه وستكون كلفتها عليه أكبر من مردودها ومن قدرة جبهته الداخلية على التحمّل.
- انّ الحكومة الحالية برئاسة بينيت تبدو أضعف من ان تشنّ حرباً كونها ولدت بصعوبة وخرجت بشق النفس من ثقب باب الكنيست، نتيجة الانقسام الحاد بين مكوناته. وبالتالي، فهي تستند الى أرضية هشّة.
- يفترض الاحتلال أنّ «الحرب الناعمة» التي تُشنّ على لبنان والحزب عبر الضائقة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة قد تُعفيه من تبعات المغامرة العسكرية، مرجّحاً أنّ هذا النوع من الضغوط سيؤدي إلى إضعاف الحزب وإحراجه امام بيئته والشرائح الأخرى على وقع اتهامه بأنه المسؤول عن الانهيار نتيجة خياراته وتحالفاته. وبالتالي، لا بأس في تركه عرضة للاستنزاف البطيء بدل التورّط في نزاع عسكري مباشر معه. المهم فقط بالنسبة إلى تل أبيب أن تبقى وتيرة الانهيار مضبوطة على ساعة مصلحتها، بحيث لا يقع البلد برمّته في قبضة الحزب مع ما يمكن أن يشكّله ذلك من تهديد استراتيجي لها، أي المطلوب أن تبقى الازمة الاقتصادية عبئاً عليه لا ان تتحوّل فرصة له.
- ان الولايات المتحدة التي لا يمكن أن تحصل الحرب الشاملة من دون موافقتها، ليست حالياً في صدد إعطاء تل أبيب الضوء الأخضر لقلب الطاولة في المنطقة، بل هي تعطي الاولوية حالياً لخيار التسوية مع إيران وإعادة تجديد الاتفاق النووي.
وإزاء استبعاد سيناريو المواجهة الشاملة عسكريّاً، يتوقع قريبون من الحزب أن تشتد في المقابل خلال الاشهر القليلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية معركة تشويه الصورة والحقائق، في سياق محاولة تكوين رأي عام مُعاد للحزب وحلفائه بهدف تغيير هوية الأكثرية في المجلس المقبل.
وضمن هذا الإطار، يندرج في رأي هؤلاء الترويج المُمنهج لمقولة انّ لبنان يرزح تحت الاحتلال الإيراني، «في حين انّ الحراك الغربي ونشاط السفيرتين الأميركية والفرنسية العابر لكل انواع الحدود لا يتركان مجالاً للالتباس في شأن هوية المظلة التي يُراد للبنان ان يصطف تحتها».