عاد ملفّ سدّ النّهضة إِلى الضّوء مُجدّدًا الأُسبوع المُنصرم، بعدما "قلّص" مجلس الأَمن الدّوليّ خيارات مصر والسُّودان، فيما قد تكون الخُرطوم والقاهرة، قد نجحتا في إِيصال القضيّة إِلى مجلس الأَمن!. فالأخير أعاد قضيّة السدّ إِلى "الاتّحاد الأَفريقيّ، مع "كلماتٍ تشجيعيّةٍ للدُّول الثّلاث أي مصر وأَثيوبيا والسُّودان، تدعو إلى "المضيّ قُدمًا في مسار التّفاوض، ومِن دون تحديد سقفٍ زمنيٍّ...
كما وخلت كلمات أَعضاء مجلس الأَمن، مِن الحديث في شكلٍ مُباشرٍ عن إِجراءات الملء الثّاني، الّتي اتّخذتها إِثيوبيا قرارًا أحاديًّا، في 5 تمّوز الجاري، ما اعتُبر "الأَمر الأَكثر إِزعاجًا لمصر والسُّودان خلال الشّهرَيْن الماضيين، بالنّظر إِلى الأَضرار الّتي يتحدّث عنها البلدان، ما دفع تاليًا بهما، إِلى القيام بتحرُّكاتٍ مكُّوكيّةٍ لوقف الإِجراء الإِثيوبيّ، وصولًا إِلى المُنظّمة الدّوليّة!.
وتزامُنًا، أَخطرت إِثيوبيا دولتَيْ مصبّ نهر النّيل؛ مصر والسُّودان، ببدء عمليّة ملءٍ ثانٍ للسدّ بالمياه، مِن دون التوصُّل إِلى اتّفاقٍ ثلاثيّ في هذا الشّأن، ما دفع بالقاهرة إِلى رفض هذا الأمر، وكذلك رفضته الخرطوم أَيضًا، باعتباره إِجراءً أحادي الجانب. ولكنّ أَديس أَبابا أَعلنت مِن جهتها، إِصرارها على تنفيذ ملءٍ ثانٍ للسدّ بالمياه، في تمّوز الجاري وآب المقبل، "حتّى ولو لم تتوصّل إِلى اتّفاقٍ في شأنه!"... على اعتبار أَنّ "الهدف مِنه إِنّما هو توليد الكهرباء لأَغراض التّنمية".
وفي المُقابل، تتمسّك مصر والسّودان بالتوصُّل أَوّلًا إِلى اتّفاقٍ ثُلاثيٍّ على ملء السدّ وتشغيله، لضمان استمرار تدفُّق حصّتهما السّنويّة مِن مياه نهر النّيل.
وثمّة مَن يرى في هذا الإِطار، أَنّ الخُرطوم والقاهرة نجحتا دبلوماسيًّا في إِيصال القضيّة إِلى مجلس الأَمن الدّوليّ، لأَنّها قضيّةٌ تُمثّل تهديدًا حقيقيًّا للأَمن والسّلم الدّوليَّيْن. وتاليًا لا يُمكن التّعامُل مع ملفّ سدّ النّهضة "بطريقة الرّبح والخسارة"...
ومع إعادة رمي كرة ملفّ لنّهضة في اتّجاه الانّحد الإفريقيّ، فقد بات الأخير يُدرك أَنّ الخيار الآن هو التّفاوض، ولكن قد يكون مِن المُفيد أَن يكون الاتّحاد الأَفريقيّ أَكثر جديّةً في تحديد مدًى زمنيٍّ للتّفاوض، لأَنّ الوضع خطِرٌ ويحتاج إِلى اتّفاقٍ قانونيٍّ مُلزمٍ، وبخاصّةٍ بعدما تعثّرت المُفاوضات، على مدار 10 سنوات، وسط اتّهاماتٍ مُتبادلةٍ بين القاهرة وأَديس أَبابا بالـ"تعنُّت وفرض حُلولٍ غير واقعيّةٍ"...
بيد أَنّ الخرطوم لم تكن تُريد أَن يخرج ملفّ سدّ النّهضة مِن المنظمة الإفريقيّة، بل الحُصول على مزيدٍ مِن الضّغط الدّوليّ لإِنجاح المُفاوضات، وأَن تضع المُنظّمة الدّوليّة الملفّ في أَجندتها. وفي هذا الإطار يُدرك الأفرقاء الثّلاثة المعنيّون في القضيّة أنّ مجلس الأَمن الدّوليّ سيُراقب الأمر... فيما الأَمين العامّ للأُمم المُتّحدة أَنطونيو غوتيريش مُطالبٌ بإِطلاع المجلس على الموقف في شكلٍ دوريًّ، ولو أنّ مُلاحظةً سُطّرت في التّأخير الزّمنيّ في وصول قضيّة سدّ النّهضة إِلى مجلس الأَمن الدّوليّ قبل أُسبوعٍ فقط مِن ملء السدّ!...
ولا بُدّ في هذا السياق مِن الإشارة إِلى أنّ رئيس مجلس الأَمن الدّوليّ، مندوب فرنسا نيكولاس دي ريفيير، كان صرّح في الأوّل مِن تمّوز الجاري، بأنّ المجلس "لا يملك سوى دعوة أَطراف الأَزمة إِلى الدُّخول في مُفاوضاتٍ"، في حين أَنّ دُفوعات مصر والسّودان ومرافعاتهما أَمام المجلس كانت ضعيفةً، لأَنّها تعتمد على إِعلان المبادئ مُنذُ 2015، والّذي سمح لإِثيوبيا بأَن تفعل ما تشاء في سدّ النّهضة، وهُنا بيت القصيد!.