معادلة بسيطة كان وضعها رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل اسابيع قليلة اذ قال: "إذا اعتذر (سعد) الحريري سيكون انهيار تام، وأخاف من الناحية الأمنية". وفق تصريحات النائب السابق مصطفى علوش، وبعد تسريبات متواصلة على مدى ايام، يبدو ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اتّخذ قراره بالاعتذار، وبالتالي وصلنا الى النقطة المحوريّة وبتنا امام سيناريوهين لا ثالث لهما: إمّا تتحقق نبوءة بري ونصل الى الانهيار التام، وإما استمرار الوضع على ما هو عليه مع تحسّن بسيط قد يطرأ بفعل التكليف الجديد. أما الاعتماد على حصول تغيير جذري ينقذ لبنان من وضعه الحالي فهو امر بعيد المنال في حال شكّل الحريري حكومة ام اعتذر. يتحدّث كثيرون ممّن يجلسون في صالونات المسؤولين السياسيين والمطلعين على الاوضاع، عن مبالغة زائدة في التهديد بالانهيار التام، ودعوا من يطلق هذه الادعاءات او يصدّقها، الى متابعة التحرّك الدولي الذي اكتسب زخماً غير مسبوق في الآونة الاخيرة، مع تحرك اميركا وفرنسا والسعودية وبعض الدول العربية والاجنبية، للتشديد على انّ الانهيار التام غير مسموح في لبنان في الوقت الراهن، وان المسّ بالمظلة الامنية هو اكبر من طاقة اللاعبين اللبنانيين على ذلك.
وتسأل المصادر نفسها عن السبب الذي دفع بري بالقبول اخيراً باعتذار الحريري، بعد ان كان اكثر المتمسّكين به، والناطق الرسمي باسمه وصولاً الى اتخاذ قرارات عنه؟ فهل استسلم بري بالفعل لرغبة الخارج بعدم ممانتعهم استبدال الحريري بأيّ اسم آخر، طالما ان الصورة بدأت تتضح شيئاً فشيئاً لجهة وضع اليد على الامور الاساسية في البلد، من قبل عدد من الدول وليس عبر دولة واحدة. وهذا يعني عملياً خسارة فرنسا لقسم كبير من نفوذها، بعد ان ضاعت مبادرتها في دهاليز وسراديب السياسة الخارجية والداخلية، علماً ان نجاحها في حينه كان امّن لها حضوراً مميزاً وفاعلاً على الساحة اللبنانية، لا يمكن مقارنته بالدور الروسي في سوريا، انما يكون ثقله اساسياً وغير قابل للتخطّي من قبل اي دولة اخرى.
على ايّ حال، من الواضح ان بقاء الحريري او اعتذاره لن يقدّم او يؤخّر في المشهد العام الموضوع، وعلى الرغم من ان الامر سيبدو وكأنّه انتصار لمحور رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل، الا انه عملياً سيعقّد الامور خصوصاً في ظلّ اصرار برّي على عدم تمرير هذه المعركة من دون رد. صحيح ان الردّ لن يكون مباشراً، الا انه سيكون اكثر صعوبة وسيشمل كل الاستحقاقات المقبلة والدخول في كل شاردة وواردة لناحية التعيينات والاسماء والحصص، وغيرها... وفي احسن الاحوال، قد يكتفي بري بمواجهة "على الخفيف" تقتصر على المشاريع المعروضة في مجلس النواب، وعلى التحضير للانتخابات النيابية عبر تأمين شبكة تحالفات واتصالات من شأنها ان تدعم قدر الامكان حضور الحريري والتعويض عمّا لحق به من خسائر في الحياة السياسية العامة. ومن المؤكد ان التسوية بين بري والحريري ستحضر بقوة في الانتخابات النيابية وبعدها في الانتخابات الرئاسيّة، وسيسخّر رئيس مجلس النواب كل امكاناته وخبراته ان لدى حزب الله او لدى الحلفاء الآخرين، لدعم مرشح رئاسي يرتاح اليه ويتناغم مع الحريري في السنوات المقبلة.
كل ذلك يشير الى ان البلد لن يخرب عند اعتذار الحريري، ولو انه لن يكون بأفضل احواله، ولكن الاثمان التي سيتم دفعها لبري والحريري ستكون مؤجّلة، لتعذر امكان دفعها حالياً، ولعدم قدرة الثنائي على الوقوف في وجه الدرع الدولي الموضوع لابقاء الستاتيكو البناني على حاله وعدم السماح بتدهوره اكثر مما هو عليه.