تختلف الآراء ووجهات النظر حول اعتذار رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، وتداعياته المحتملة، إن تمّ، بين من يراه "خشبة الخلاص" لأنّ الرجل "احتجز" ورقة التكليف في جيبه فترة طويلة من دون أن ينجح في مهمّته، ومن يعتبره المَدخَل إلى "جهنّم"، لأنّ البديل غير متوفّر، من دون إغفال احتمال أن يقود إلى الفوضى.
لكن، بمُعزَلٍ عن هذه الآراء، التي تنطوي على "تسييس" في جزءٍ كبيرٍ منها، ثمّة أمر أكيد، وهو أنّ هذا "الاعتذار" بات أمرًا شبه واقع، ولو تمّ تجميده مرارًا، وتأجيله تكرارًا،علمًا أنّ جميع الفرقاء يتعاملون معه على أنّه آتٍ عاجلاً أم آجلاً، بل إنّهم باشروا منذ فترةٍ غير قصيرة بنقاش "سيناريوهات" ما بعد هذا الاعتذار، والاحتمالات التي يمكن أن تذهب إليها الأمور.
كانت الرغبة الأساسيّة، التي يتمسّك بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن خلفه "حزب الله"، أن لا يُعلَن "الاعتذار" سوى بعد الاتفاق على "سلّة متكاملة"، بحيث يسمّي الحريري "بديله"، ويتمّ التوافق سلفًا على "أجندة" الحكومة المُنتظرة، وربما تشكيلتها، إلا أنّه "سيناريو" توحي كلّ المعطيات المتوافرة أنّه بعيد عن الواقع.
تدفع الكثير من الأسباب نحو مثل هذا الاعتقاد، ومن بينها أنّ "التيار" يرفض فكرة استبدال الأصيلبوكيل يمثّله،وبالتالي يلتزم بشروطه وربما سياسته، في "استنساخ" لتجربة السفير مصطفى أديب التي لم يُكتَب لها النجاح، بعدما ظهر أنّ الحريري نفسه كان يتحكّم بالتفاصيل، بل يدير المفاوضات من قلب بيت الوسط.
لكن، من بين الأسباب الموجبة التي تستبعد فكرة الاتفاق المسبق على ما بعد الاعتذار، أنّ الحريري نفسه لا يحبّذ مثل هذا "السيناريو"، باعتبار أنّ مصلحته منه منعدمة، لا سيّما وأنّ المرحلة المقبلة ستتطلّب منه الاصطفاف فيالمعارضة بالمُطلَق، بعيدًا حتّى عن نهج "التطبيع" مع الحكومة، كما فعل نسبيًا بعد تسمية حسّان دياب رئيسًا للحكومة.
من هنا، يبدو أنّ مرحلة ما بعد "الاعتذار" لن تكون ميسّرة أو مسهَّلة، فـ"بديل" الحريري ليس واضحًا بعد، ولو أنّ "العهد" سبق أن رمى ببعض الأسماء إلى الواجهة، وكلّها أسماء يُعتقَد أنّ بري يرفضها سلفًا، كونها توحي بـ"المواجهة والتصعيد"، علمًا أنّ الحديث عن مرشح من نادي رؤساء الحكومات السابقين يصطدم أيضًا بالكثير من العوائق والحواجز.
استنادًا إلى ما تقدّم، يتحدّث البعض عن "خيارَين لا ثالث لهما" قد يفتح الاعتذار الباب أمامهما، ليس من بينهما الذهاب إلى حكومة كاملة المواصفات، تتصدّى للإصلاحات المطلوبة، لأنّ الظروف السياسية لن تتيح على ما يبدو هذا الخيار، كما أنّ الوقت "استُنفِد" في محاولة "إنتاج" الحكومة، فيما بدأ العدّ العكسي للانتخابات النيابية المقبلة، المفترضة خلال أقلّ من عام.
ومن هذا الباب تحديدًا يظهر "طيف" الخيار الأول، والذي يرى البعض أنّه الأقرب إلى الواقع، ويقضي بالذهاب إلى "حكومة انتخابات" تشبه إلى حدّ بعيد تلك التي شكّلها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي قبل سنوات، بحيث يكون أعضاؤها من غير المرشحين للانتخابات النيابية، وتكون مهمّتها الأساسية مرتبطة بإدارة هذا الاستحقاق الجوهريّ.
لكنّ هذا الخيار لا يزال "يصطدم" برفضٍ من قبل البعض، أولاً لأنّ تحدّيات بالجملة تقع على عاتق الحكومة المقبلة، التي لن يكون بمقدورها غضّ النظر عن "الانفجار الاجتماعي" لحصر اهتمامها بالانتخابات، وثانيًا لأنّ هناك من "يخطّط" أصلاً لـ"تطيير" الانتخابات عن بكرة أبيها، وهذا هو "بيت قصيد" كلّ الأزمة، فالحكومة العتيدة "ستعمّر" أكثر من أشهر معدودات.
أما الخشية الكبرى، فهي أن يقود هذا التفكير إلى الخيار الثاني الذي لا يبدو أنّ هناك بديلًا له، وهو استمرار حال المراوحة كما هي، وبالتالي بقاء حكومة تصريف الأعمال "المتقاعسة" في صدارة المشهد، على أن تدير بنفسها الاستحقاق الانتخابي المقبل، علمًا أنّ بعض الوزراء يجاهرون بهذا الخيار، ويعلنون "استعدادهم" للمهمّة المُنتظَرة.
وقد يكون التسليم بهذا الأمر أخطر من كلّ الخيارات الأخرى، بما فيها حكومة المواجهة أو حكومة اللون الواحد، في ظلّ التحدّيات والاستحقاقات الكبيرة "المؤجَّلة"، والتي لن يكون بالمُستطاع "تجميدها" أكثر، خصوصًا إذا ما صحّت التكهّنات عن تحليق "جنونيّ" جديد لسعر الدولار بمجرّد إعلان الحريري اعتذاره عن رئاسة الحكومة.
في النتيجة، قد يفرح "العونيّون" للوهلة الأولى باعتذار الحريري، وقد يهلّلون لـ"انتصارٍ" يعتقدون أنّهم حقّقوه، بعدما جرّوا الحريري إليه، هو الذي كان يقول قبل أسابيع قليلة إنّ "حلم إبليس بالجنّة" أقرب من حصوله، لكنّ "العبرة" تبقى "بالخواتيم"، وهنا تبدو المسألة أكثر من صعبة، في ظلّ "التعقيدات والتشابكات" التي تحيط على ما يبدو بمرحلة ما بعد الاعتذار.