تتوالى التصريحات الاسرائيلية بشأن لبنان، وهي تحمل تناقضاً في الشكل، وشراً مطلقاً في الباطن. لم تغيّر تل ابيب سياساتها العدائية تجاه اللبنانيين: بقيت مخططاتها هي ذاتها منذ ما قبل عام ١٩٤٨، القائمة على قاعدة ترقب اللحظة المناسبة لشن عدوان ضد اللبنانيين تحت عناوين متعددة. كانت اسرائيل تخترع في كل مرة عنوانا او شعاراً أو ذريعة لإعتداءاتها. لم تتغير تلك السياسة الاسرائيلية، لكن المتغير الجوهري حالياً هو أن الدفاع اللبناني بات قادراً على التصدي والرد الفوري، مما يجعل الاسرائيليين أكثر حذراً وتمهلاً وأقل جنوناً.
لكن الطبيعة العدوانية مستدامة عند الاسرائيليين، تفرض الحذر اللبناني في ظل إرباك سياسي داخلي وأزمة إقتصادية-معيشية لبنانية تُضعف القدرات اللبنانية على مواجهة التحديات. ومن هنا يبدو ان النقاش الاسرائيلي ظهر الى العلن: هل نستغل الظروف اللبنانية للإنقضاض على "حزب الله" الآن؟ تعرف اسرائيل ان الحزب منيع عسكرياً، ومالياً، ومحصّن شعبياً، لكنها تعتقد ان البيئة الحاضنة لا تستطيع تحمل اعباء الحرب. لذا، فهي تكثّف الحديث عن لبنان بغاية ترهيب مواطنيه المأزومين إقتصادياً، ورمي كرة المسؤولية في ملعب الحزب المذكور.
هذا ما قاله رئيس وزراء اسرائيل نفتالي بينيت بأن "لبنان على شفا الانهيار، شأنه شأن الدول التي سيطرت عليها إيران". هو بذلك يمارس لعبة تحريض اللبنانيين، كما مارس اسلافه التحريض ضد السوريين منذ عام 2011، ولم يكتف وقتها رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو بالتصريحات التحريضية، بل دعمت حكومته ومؤسساتها العسكرية والاستخبارية المسلحين السوريين في الجنوب السوري، وعندما ضعفت قدرات الدولة السورية نفّذ الاسرائيليون اعتداءات مباشرة على المواقع العسكرية السورية في خطة ممنهجة لضرب البنية السورية الدفاعية. فهل يريد الاسرائيليون حالياً تكرار تلك التجربة عبر ضرب بنية "حزب الله" او الجيش اللبناني في حال دبّت الفوضى في لبنان؟.
ان السيناريو السوداوي في الساحة اللبنانية هو مصلحة اسرائيلية، عندها ستجد تل ابيب الفرصة مناسبة لشن هجماتها ضد اهداف ثمينة. لكن الاسرائيليين يدركون ان اللبنانيين يستطيعون أن يترجموا معادلة القوة الدفاعية المتوافرة في امكانيات بعيدا من انظار الاسرائيليين. هي قدرات عسكرية وشعبية تستطيع الصمود وفرض الوجع في تل ابيب على قاعدة العين بالعين والسن بالسن والعاصمة بالعاصمة.
يدور جدل اسرائيلي على صفحات الجرائد، وتخمينات، ووضع سيناريوهات. إستحضرت صحيفة هآرتس التحديات في إطار المفاوضات النووية: "من وراء الكواليس فان التوتر بين ايران وفروعها وبين اسرائيل يتواصل". ينطلق الاسرائيليون من فرضية مفادها ان التفكير الايراني الذي ينطبق على حلفاء طهران يقوم
على التخطيط للمدى البعيد، وهذا ما يخشى منه الاسرائيليون، ويريدون ضرب مقوماته بكل السبل، وهم يطالبون بإشعال "الضوء الأحمر"، فهل يكون لبنان هدف تل ابيب؟ كيف؟ متى؟
ان وقائع الازمة اللبنانية تسرّع في كشف الساحة الداخلية امام أي معتد، في وقت يفترض باللبنانيين التوجه لحماية بلدهم بتأليف حكومة جديدة تضع خطة انقاذ وطني. ايضاً: متى؟ كيف؟ لا اجوبة محددة.