تعيّد الكنيسة في العشرين من شهر تموز للنبي الياس، ويصادف العيد هذه السنة، مع أول أيام عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير والبركات، وبظروف أفضل من هذه الظروف التي نعيشها.
يحضرني قول للمطران جورج خضر، عندما زار إحدى بلدات قرى قضاء عاليه، مع بداية عودة المهجّرين، فخاطب أهل تلك الرعية قائلًا: "إذا أردتم أن تتعايشوا مجدّدًا في هذا الجبل مع إخوتكم الموحّدين، فعليكم بنزع السيف من يد النّبي الياس، وحمل راية المحبة والسلام".
طبعًا، كلام خضر، لم يكن ينبع من خوف أو من ضعف، إنما مصدره لاهوت المسيح، الحامل لواء المحبة والتسامح والغفران، وخدمة الفقير والمعوز، وهو القائل: "من كان فيكم عظيمًا فليكن للجميع خادمًا".
لو عرف أسلافنا معنى أن نخدم بعضنا بعضًا لما عشنا مأساة متراكمة أضرّت بالجميع، لكن يبدو أننا في هذا البلد سنترحم على السلف، مما نلمسه من أخطاء يرتكبها الخلف.
النّبي الياس ثارت ثائرته على كهنة البعل فسفك دمهم وأمر بقتل أنبياءهم، ظانًّا أنّه بذلك يحقق مشيئة الله. إلا أنّ العليّ ظهر له وكلّمه، حيث هبّت ريح شديدة وحدثت زلزلة عظيمة وشبّت نار آكلة ولم يكن الرّب في أيّ منها. في النهاية تكلّم الرّب إلى إيليا في صوت منخفض، خفيف في نسيم عليل، كأنّه يقول له: "أنا يا إيليّا إله المحبّة والرأفة وليس إله العنف والبطش والقتل".
ألم يحن الوقت لتتوقف الأضاحي على مذبح هذا الوطن؟ ألم تأتِ الساعة التي فيها يعي المسؤولون، أن المواطن في لبنان ليس كبشًا، ولا من عبّاد البعل؟ بالمقابل، شعبنا ملّ من حكامه، وخوفي أنه بدأت تعلو أصوات تنادي إيليا النبي، علّه يحمل سيفه ويقطع رؤوس تجّار الهيكل في وطننا، الذين أغرقونا في القهر والعذاب واستعطاء الدواء والخبز والمحروقات والطبابة والكهرباء، حتى الهواء قطعوه عنّا، وما نسمعه نظير شؤم حول عودة لغة الدم في أرضنا، التي ارتوت دمًا بما فيه الكفاية.
هذا الظلم الذي يعيشه المواطن في لبنان، نسألك يا الله أن ترفعه عنّا، وأن تنصف المظلوم وتحقق العدل في وسط هذا المستنقع الذي نغرق فيه.
كم من ظالم يعيش في قصور فخمة، وكم من مظلوم يقبع في السجون! أين العدل في ما أصاب اللبنانيون نتيجة انفجار ٤ آب؟ أين العدل في حقوق الذين نُهبت أموالهم؟ أين حقوق المريض الذي يتبهدل ويُذل على أبواب المستشفيات ومحطات المحروقات والأفران والصيدليات؟ .
يتغنّون بالمغتربين، الذين أتوا بلدهم الأم، ليستفقدوا أهاليهم. هؤلاء الذين يعيشون الذلّ معنا، وأموالهم لا تنفعهم ولا تعزّي أهلهم.
أتركوا شعبنا يعيش، فرباط المحبة والإحترام موجود بين اللبنانيين.
إنزعوا عنّا سيف الظلم وسيف الطائفية وسيف الذلّ وسيف التفرقة وسيف الإستعباد، وخذوا ما يدهش العالم.
نتغنّى ببلد الأرز، والظالمون انتهكوا عذريته، واغتصبوا مغانمه. فالظلم لا يستطيع أحد أن يحتمله، فإلى متى نبقى صامتين وخانعين؟.
اللبناني ضحيّة المسؤولين، الذين يغرّدون خارج الواقع المرّ، ويتباكون ويتراشقون الإتهامات، والمواطن يدفع الثمن الغالي.
أَنْقِذْنِي يَا رَبُّ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ. مِنْ رَجُلِ الظُّلْمِ احْفَظْنِي"(سفر المزامير 140: 1)، هذا المزمور هو مرثاة شخصيّة، صلاة مقدمة لله من أجل الخلاص من الضيقة، في اتّكال كامل على الله الذي ينقذ مؤمنيه من الأعداء، فعدو الإنسان أهل بيته.
لن يبقَ لنا رجاء إلا بالله، القادر أن ينقذنا من بطشهم، ولذلك نصرخ: إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا" (سفر الجامعة 5: 8).