منذ ما قبل اعتذار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن تأليف الحكومة، يُطرح اسم نظيره السابق نجيب ميقاتي كأبرز المرشحين لتولي المهمة، إلا أن أسهم الرجل ترتفع يوماً لتنخفض في اليوم التالي أو العكس، بالنظر إلى العديد من العقبات التي لا تزال تنتظر معالجتها قبل الوصول إلى يوم الاثنين المقبل، أي موعد الاستشارات النيابية الملزمة المحدد من قبل رئاسة الجمهورية.
في هذا السياق، من الضروري التذكير بأن ميقاتي تسلم المهمة في مناسبتين سابقتين: الأولى كانت كمرشح تسوية لتولي رئاسة حكومة تشرف على الإنتخابات النّيابية وسط إنقسام سياسي حاد في العام 2005. أما الثانية فكانت في العام 2011، بعد إسقاط حكومة الحريري من قبل قوى الثامن من آذار، الأمر الذي قاده إلى مواجهة مع تيار "المستقبل".
في الوقت الراهن، تشير مصادر سياسية مواكبة، عبر "النشرة"، إلى أن رئيس الحكومة السابق لا يبدو مستعجلاً لتولي المهمة، حتى ولو لم يكن يمانع تحمل هذه المسؤولية، فهو يدرس الظروف بعناية فائقة كي لا تكون مهمّة إنتحاريّة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، خصوصاً بعد تجربة كل من السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب والحريري. وتلفت إلى أن ميقاتي ليس من الشخصيات التي قد تذهب إلى الموافقة على تكليفها من دون ضمانات، فهو لا يريد أن يكون إسماً للحرق أو لتمرير الوقت.
إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أنه في حال وافق رئيس الحكومة السابق على تكليفه، فإن ذلك سيكون مرتبطاً بالضمانات التي سيحصل عليها قبل ذلك، التي تقود إلى تأليف سريع لا يتعدّى الأيام، خصوصاً أن أي تأخير في إنجاز المهمة يعني المزيد من التعقيدات التي ستحول دون نجاحه. وتربط ذلك بالضغوط الدولية والإقليمية التي تتحدث عن ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة تكون قادرة على مواجهة التحديات، حيث اسم ميقاتي هو المفضل عند الفرنسيين، الراغبين في التأليف قبل موعد الذكرى السنوية الأولى لإنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، وهم سبق لهم أن طرحوا الإسم مع أكثر من جهة محلية.
وبالتالي، تشدد المصادر نفسها على أن هذه الضمانات تبدأ من شكل ومهمة الحكومة المقبلة، سواء كانت من ضمن المبادرة الفرنسية أو من خارجها، مع العلم أن ميقاتي كان أول من طرح، منذ أشهر، فكرة الذهاب إلى حكومة تكنوسياسية من 20 وزيراً، على أن تضم 6 وزراء دولة يمثلون الأفرقاء السياسيين. بالإضافة إلى ذلك، تستبعد أن يذهب إلى الموافقة من دون الحصول على أجوبة واضحة، تتعلق بالقدرة على تجاوز العقبات التي كان قد اصطدم بها كل من أديب والحريري، خصوصاً بالنسبة إلى العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.
على المستوى المحلي، تلفت المصادر السياسية المواكبة إلى أن ميقاتي، الذي يعتبر من الشخصيات التي ليس من السهل التعامل معها من قبل العديد من القوى، لا يمكن أن يذهب إلى سقف في التأليف يعتبر أدنى من ذلك الذي كان قد رفعه الحريري، مع العلم أنه يربط موافقته على تولّي المهمة بالتنسيق مع نادي رؤساء الحكومات السابقين، أي فؤاد السنيورة وتمام سلام والحريري، بالإضافة إلى التمسك بالصلاحيات الدستورية التي كان دائماً من المدافعين عنها.
أما على المستوى الدولي، توضح المصادر نفسها أن ميقاتي ينتظر معرفة التوجهات التي ستكون عيلها المعطيات الإقليمية والدولية قبل حسم قراره، في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة على أكثر من صعيد، فهو لن يغامر بهذه اللحظة بتأليف حكومة تكون متروكة من دون أيّ مساعدات، الأمر الذي يعني أن يكون في مواجهة مع الغضب الشعبي الذي سيزداد في الأشهر المقبلة، لا سيما في منطقة الشمال، بعد أن كان حظي، في الإنتخابات الماضية، على أعلى نسبة أصوات في عاصمتها طرابلس.
في المحصلة، ميقاتي هو من أبرز الأسماء الجدية لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم من دون سلة من التفاهمات المسبقة التي تقوده إلى التأليف السريع، وهو ما ينبغي أن يتضح بشكل أكبر في الأيام أو الساعات المقبلة، لا سيما على مستوى العلاقة مع رئيس الجمهورية.