من سُقوط إلى سُقوط... ينتقل لبنان والشعب اللبناني منذ نحو سنتين حتى اليوم! فاعتبارًا من تاريخ تفجّر الإحتجاجات الشعبيّة في17 تشرين الأوّل من العام 2019-بعد طول إحتقان، جاءت المُعالجات مُخيّبة جدًا للآمال، حيث فشلت الحُكومة التي جرى تشكيلها برئاسة حسّان دياب في وقف الإنهيار الإقتصادي والمالي، ثم جاء إنفجار 4 آب 2020، ليُسقط هذه الحُكومة بالتحديد، وليُدخلنا في أزمة حُكوميّة لم تنته فُصولاً بعد. واليوم، وبعد فشل رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري بتشكيل حُكومة جديدة، بعد تضييع ثمانية أشهر كاملة، إزدادت حدّة الإنهيار الشامل، ويُخشى اليوم أيضًا من إستمرار هذا الدوران في الحلقة المُفرغة لمزيد من الوقت، بغضّ النظر عمّا ستحمله كلّ من محطّتي التكليف والتأليف، علمًا أنّ كل يوم تأخير إضافي يتسبّب بتفاقم الإنهيار أكثر، وبالتالي بتدحرج المزيد من العائلات اللبنانيّة إلى ما دون خط الفقر والعوز! فما هي "سيناريوهات" المرحلة المُقبلة؟.
بما أنّ أيّ خُطّة لوقف الإنهيار يجب أن تمرّ بتشكيل حُكومة جديدة، يتمّ حاليًا دراسة الخيارات المُتاحة في هذا السياق، في ظلّصُعوبات بالجملة والمفرّق-إذا جاز التعبير، وفي ظلّ تدخّل إقليمي ودَولي واسع وواضح. وبعد إستبعاد "سيناريو" تشكيل حُكومة برئاسة شخصيّة مَحسوبة سياسيًا على الأكثريّة النيابيّة الحاليّة، وتراجع فرص "سيناريو" تشكيل حُكومة شبيهة بالشكل وبالمضمون بالحُكومة المُستقيلة برئاسة حسّان دياب، تقدّمت فرص "سيناريو" تشكيل حُكومة برئاسة شخصيّة سنّية تحظى بغطاء كلّ من دار الفتوى ورؤساء "الحكومات السابقين" ورئيس "تيّار المُستقبل". لكنّ محطّة التكليف-وحتى لوّ مرّت بشكل سلس، لا تعني إطلاقًا طيّ صفحة التأليف مُسبقًا. والمُشكلة أصلاً ليست في تأليف حكومة من عدمه، بل في ما ستكون هذه الحُكومة قادرة على القيام به، وهذا بالتحديد ما يهمّ الأغلبيّة الساحقة من الشعب اللبناني.
فإعادة طرح أسماء شخصيّات إمّا ترمز إلى إنقسامات سياسيّة داخليّة حادة، وإمّا تُذكّر بملفّات فساد مُتعدّدة، لا يُوحي بالثقة. والخشية من تكرار "سيناريو" التكليف بأغلبيّة عدديّة غير كبيرة، ثم العجز عن التأليف يشغل بال الكثيرين، علمًا أنّ لبنان لم يعد يحتمل. صحيح أنّ تجاوز مطبّ التكليف-بغضّ النظر عن الإسم، سيرفع منسوب التفاؤل، وصحيح أنّ النجاح لاحقًا في تجاوز مطبّ التشكيل، من شأنه بالتأكيدإحداث صدمة إيجابيّة تُخفّض سعر صرف الدولار، لكنّ الحفاظ على هذا الإنخفاض، والأهم وقف الإنهيار يتطلّب خطة عمل مُتكاملة غير مُتوفّرة حاليًا، وغطاء إقليميًا ودَوليًا كاملاً لم تظهر بوادره بعد أيضًا. وحتى اللحظة، ما زلنا في خضمّ عمليّة شدّ حبال داخليّة، وزكزكات سياسيّة لحسابات ضيّقة. وحتى لوّ إفترضنا جدلاً أنّ الكتل النيابيّة تجاوزت عمليّة التكليف بنجاح، لا ضمانات إطلاقًا بأنّها ستتجاوز عمليّة التشكيل، ومن غير المُستبعد أنّ الأسباب-بشقّها الداخلي، والتي حالت دون نجاح رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري في التأليف، قد تتكرّر مع خلفه. وحتى في حال النجاح في تجاوز مطبّي التكليف والتأليف، يُوجد إجماع على أنّ مُهمّة الحُكومة الأساسيّة تتمثّل بتحضير الأجواء المُناسبة لإجراء الإنتخابات النيابيّة في ربيع العام المُقبل، بالتزامن مع توفير الحدّ الأدنى من مُقوّمات صُمود الشعب اللبناني. لكنّ هذه المُهمّة ليست سهلة أبدًا، بسبب التأخّر كثيرًا في إطلاق أيّ خطة إنقاذيّة، وبسبب ضيق الفترة الزمنيّة الفاصلة عن الإنتخابات المُفترضة والتي من شأنها إعادة تركيب السُلطة ككلّ، وبسبب حتميّة الحفاظ على أجواء التوتّر الداخلي بأعلى درجاته من ضمن العدّة التقليديّة لشدّ العصب الإنتخابي من النواحي السياسيّة والطائفيّة والحزبيّة، إلخ. والأخطر من كلّ ما سبق أنّ مُحاولة الإستمرار وفق الواقع القائم حاليًا، إلى حين حُلول موعد الإنتخابات النيابيّة، يترافق مع كثير من الهواجس بعدم إمكان صُمود اللبنانيّين حتى ربيع العام المقبل، بسبب تعاظم وتيرة الإنهيار الحاصل على مُختلف الصعد.
في الخُلاصة، الناس غير مُهتمّة بالتكليف والتأليف... بل بما بعده، أي بأوضاعها الإقتصاديّة والماليّةوالمعيشيّة والحياتيّة، وما لم يطرأ تحسّن سريع على هذه المُستويات، سيبقى لبنان في حال دوران في الحلقة المُفرغة. والمُشكلة أنّ العدّ العكسي للإنتخابات النيابيّة بدأ قبل أوانه، في ظلّ ضُغوط خارجيّة بضرورة إجراء هذا الإستحقاق في موعده، يُقابلها همس داخلي بإحتمال أن تتسبّب الأوضاع المُتدهورة داخليًا على مُختلف الصُعد، والخشية من الوُصول إلى تبدّل مُهمّ في التركيبة الحاكمة، بتطيير هذه الإنتخابات، ليحلّ محلّها عندها مؤتمر تأسيسي، وللبحث تتمّة...