لم يزل مضمون خطاب القسم للرئيس بشار الأسد مدار بحث وتحليل لدى مختلف الدوائر السياسية الدولية والعربية نظراً لأهمية المسارات التاريخية السياسية منها والاقتصادية وبالأخص لجهة تصحيح مفاهيم خاطئة هدفت إلى كي الوعي العربي وحرفه عن مساره الصحيح الأمر الذي سمح للأعداء التسلل والعبث في مجتمعنا المتنوع.
كان لافتاً أن يبدأ الرئيس الأسد خطاب القسم بالتركيز على المسببات التي مكنت الأعداء من النفاذ إلى ما بين ظهرانينا والمصارحة بالثغرات التي عانى منها الوعي المجتمعي والذي يعتبر مقياساً لقوتنا الأساسية في تحدي الصعاب ويأتي ذلك لاستخلاص الدروس من الأحداث المتعلقة بواجبات المواطن تجاه وطنه وتمسكه بالانتماء للعروبة وبثوابتها وبمفهومها العقائدي الحقيقي الشامل للجغرافيا وللحضارة والثقافة رغم كل المتغيرات والظروف مؤكداً أن الانتماء هو الحصن الذي يحمي الوطن.
في خطاب القسم شدد الرئيس الأسد على المفاهيم الوطنية الصرفة وضرورة التخلص من الملاذ إلى اللون الرمادي حيث يكمن الخلط بين وجهة النظر وبين الثوابت الوطنية، ما يعني أن لا مكان للخلط بين الحسم في الانتماء والموقف الواضح وبين النأي بالنفس أو الوقوف على تلة المتناقضات بانتظار جلاء الصورة.
إن هذه المراجعة التاريخية تعني أن نفهم بدقة اللغة والمفاهيم المصدَّرة لنا والتي تستهدفنا أولاً وأخيراً، وأن نتخذ منها موقفاً ونستبدلها بمفاهيمنا الوطنية الخالصة دون أي تردد وهذا يعني ضرورة التعامل مع الظروف الراهنة مهما كانت صعبة والانخراط في الرؤية الواضحة لتغيير هذا الواقع المرير والتمسك بدفة المستقبل.
إن مراجعة الرئيس الأسد التاريخية للأحداث في سورية هي بمثابة تنقية للمفاهيم من كل الأفكار المغرضة الآتية من عالم لا يشبهنا وهي محاولة جدية للتحليل والتقييم الدقيق للأحداث وفقاً للمرجعيات الوطنية واستخلاص العبر والبناء عليها الأمر الذي يخدم مستقبل سورية على أسس متينة بأفكار ومفاهيم وطنية خالصة.
إن التركيز في الاقتصاد على ضرورة الاستفادة من الأزمات لنجعل منها فرصة لاستنهاض الوطن من جديد والتوجه المشرق لبناء الاقتصاد السوري من جديد لهو دليل على أن سورية استفادت من أحداث الماضي وهي في طور التطلع نحو مستقبل واعد بالشراكة مع الصين وروسيا رغم كل الصعوبات، وهذا دليل على تصميم القيادة في سورية على امتلاك القدرة على تطوير المفاهيم والعمل لبناء المستقبل الأفضل لأجيالنا.
إن ما قاله الرئيس الأسد عن العروبة يجدر دراسته والتوقف عنده والتأمل بالمصطلحات والمضمون ملياً لأن ما تفضل به الرئيس الأسد هو المفهوم الصحيح للعروبة التاريخية والمستقبلية فالعروبة ليست مسألة رأي أو تعبير عن ذوق لكي نحبها أو تنال إعجابنا لأن العروبة انتماء وقضية مصير وليس مصير سورية فقط بل مصير المنطقة العربية برمتها رغم كل المحاولات الهادفة إلى تغيير أو تشويه مصطلح العروبة.
وأهم ما قيل عن العروبة الحقيقية حين نبه الرئيس الأسد من هزيمة تلحق بنا إذا خلطنا بين القومية العربية وبين الحدود السياسية التي رسمها الاستعمار الغربي وأن العلاقة بين حلب والموصل وبين بيروت ودمشق وبين الرمثا ودرعا هي نتاج وهم من صنع خيالنا، فالهزيمة تقع إذا خلطنا بين حكومات مستعربة وبين الانتماء العربي الحقيقي، فحين لا نميز بين عروبة الانتماء والعروبة السياسية بشكلها الراهن التي تتبعه بعض الأنظمة المستعربة فإننا سنجعل من العروبة مرادفاً للخيانة.
إن الانتماء للعروبة الصحيحة ليس خياراً يحدده الإنسان لأنه حقيقة مكتسبة بالولادة ولأنه مسألة تفاعل مع المجتمع الذي نعيش.
من هنا يمكننا فهم تطور الأحداث ليس في سورية فقط بل في المنطقة العربية لأن العروبة بمفهومها الشامل تعني أن ما حصل ويحصل في المنطقة، هو امتداد طبيعي لما يحصل في سورية، وأن ما يحصل في لبنان من حصار أميركي اقتصادي جائر، ومحاولة أميركا تفتيت العراق ومحاولة الإطاحة بنظام الأردن والسعي لطمس القضية الفلسطينية وحتى أزمة سد النهضة في مصر وحالة التطبيع بين الكيان الصهيوني مع بعض الأنظمة العربية، هو امتداد لمحاولات النيل من قلب العروبة سورية.
إن العروبة بمفهومها الشامل تقودنا إلى إدراك سياق الأحداث وأن المنطقة العربية لا يمكن لها النهوض من كبوتها طالما لم تنهض سورية وقادت مشروعاً عربياً بمفاهيم تستنهض الأمة من جديد.
إن خطاب الرئيس الأسد ليس بخطاب قسم وحسب إنما هو خطاب استراتيجي رسم السمت الصحيح للبدء بمرحلة جديدة يضمن للشعب العربي مستقبلاً واعداً للنهوض بالعمل الدؤوب على التوعية ومنع استمرار كي الوعي من خلال التمسك بالعقيدة الوطنية الراسخة وبالانتماء للعروبة الحقيقية بمفهومها وبجغرافيتها ومعانيها الصحيحة.
اليوم وبعد الخطاب التاريخي للرئيس الأسد نستطيع القول إن سورية بقيادته بدأت مرحلة جديدة لتصحيح المفاهيم الخاطئة والتوجه نحو العمل على توعية الأجيال العربية والثبات في مسيرة النهوض اقتصادياً وإعادة إعمار سورية بأيدٍ سورية.
في خطاب الرئيس الأسد قرأنا التاريخ والحضارة والسياسة والتحليل الدقيق للماضي وللمستقبل ليس لسورية فقط إنما لمستقبل المنطقة، من هنا يمكننا التعرف على السر الخاص بين الرئيس الأسد وبين الشعب العربي التواق للانفكاك عن الهيمنة الأميركية الغربية، ويمكننا استخلاص العبر كيف أن سورية بقيادة الرئيس الأسد استطاعت إحباط كل المؤامرات ليبقى الوطن.
إن رئيس دولة يحلف القسم لولاية جديدة في الصباح، تلاه في الظهيرة اجتماع عمل مع وزير الخارجية الصيني والوفد المرافق، لهو رسالة شديدة الوضوح بتوقيتها وبتفاصيلها الدمشقية تبشر بعبور سورية لكل الألوان السياسية بلغت مرحلة التصميم على التوجه شرقاً أو حيث يجب أن تتوجه من أجل النهوض بسورية اقتصادياً وفي استعادة دورها الطليعي في المنطقة.
الرئيس الذي يعطي درساً في التاريخ والانتماء الصحيح للهوية العربية وفي المساء تراه مواطناً عادياً بين أهله وناسه في منطقة الميدان يتناول مع عائلته السندويتشات لهو رئيس صاحب مبادئ وطنية عربية وقيم أخلاقية عالية قل نظيرها بين معظم حكام النظم العربية المتهالكة نحو تشكيل مظلة أمان وتطبيع مع الكيان الصهيوني، أولئك الذين ينطبق عليهم مصطلح العروبة السياسية.
تبقى سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد قطب الرحى لكل القضايا العربية وللتاريخ وللأجيال وللمفاهيم القومية العربية الصحيحة وتستحق لقب قلب العروبة النابض.