جرت رياح التكليف كما كان متوقعاً، وحاز النائب نجيب ميقاتي على اصوات مريحة نسبياً (72 صوتاً) ولو ان نسبة الذين لم يسموه كانت عالية ايضاً (42 صوتاً)، ولكن هذه الاستشارات حملت هذه المرة دلائل قوية وواضحة حول وجود رغبة خارجيّة في اجراء تغيير جدّي على الارض، انعكس توجهاً داخلياً في تحقيق هذه الرغبة في اسرع وقت ممكن. ولعل ابرز هذه الدلالات، تسمية حزب الله لميقاتي في بادرة غريبة وفريدة كونها تحصل للمرة الاولى منذ فترة غير قصيرة في سيناريو الاستشارات، كما ان النائب سعد الحريري نفسه تراجع عمّا قاله بعد اعتذاره، لجهة عدم التسمية والنزعة نحو معارضة ايّ اسم سيتم تكليفه. ووفق ما يظهر، فإن الرغبة الخارجية (اجنبية وعربية) نجحت في جمع الحزب بالحريري ووضعتهما على نقطة التلاقي حول ميقاتي، مع العمل على عدم عرقلة مساعيه ان من جهة الثنائي الشيعي (كما حصل مع الحريري فور تكليفه لجهة اشتراط الحصول على حقيبة المالية)، او من جهة الحريري الذي وضع شروطه الخاصة التي كانت عاملاً اضافة الى عوامل أُخرى، في فشل مهمته لتأليف الحكومة.
وابرز دليل على وجود "غيمة خارجية تظلّل عملية التكليف والتأليف، هو ما قاله ميقاتي نفسه فور تكليفه رسمياً، لجهة حصوله على ضمانات خارجية، بما يعني انه لم يكن ليغامر برصيده ومستقبله السياسي لو لم يحصل على الضمانات المطلوبة، والتي قد تختلف في الشكل عما حصل عليه عامي 2005 و2011، ولكنها في المضمون ستبقى نفسها، بمعنى انه لن يحرق اسمه، وان حمله للكرة الملتهبة يأتي مترافقاً مع "مطفأة" خارجيّة من شأنها ان تثبته في موقعه السياسي، وتزيد من رصيده كـ"منقذ" في الاوقات الحرجة.
وليس من المستغرب ان تكون إحدى ابرز الضمانات التي حصل عليها ميقاتي من الخارج، "كاسحة الغام" كفيلة بتعطيل كل ما يعترض طريقه في التأليف، على الرغم من "الزكزكات" التي تعرض لها في التكليف من جانب القوى المسيحيّة الرئيسية وفي مقدمها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، كما المفاجأة المتمثلة بانضمام حزب الطاشناق الى موقف تكتل "لبنان القوي" بعد ان تميّز عنه في الاستشارت السابقة. ووفق ما يدور من كلام في اروقة التأليف، فإن كل هذه المواقف السياسية المسيحية، لن تشكل عائقاً امام التأليف، وقد ترتفع في سيناريو منح الثقة، ولن يكون هناك من مشكلة ميثاقية في التمثيل بطبيعة الحال. يبقى معرفة ما اذا كانت كلمة السر قد خرجت بالفعل من فمّ الدول الخارجية، أم أن الامر مجرّد تدبير موقّت لتمرير الوقت وابقاء الستاتيكو على حاله، وابعاد شبح الفلتان مسافة كافية عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة. ولكن في مطلق الاحوال، فإن موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري لدى خروجه من قصر بعبدا بعد التكليف، لم يكن مشجّعاً، على عكس ما حصل بعد تكليف الحريري حين أشاع اجواء إيجابية ومتفائلة وجزم بأنّ المناخ السائد بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل مغاير لما يشهده الشارع ولما يحصل في وسائل الاعلام، إلاّ أنّ الامور ذهبت في الاتجاه المعاكس لما أشاعه بري في حينه. فهل تتكرر المسألة اليوم، وتجري الرياح وفق ما يشتهيه ميقاتي؟.
على اي حال، اذا كان "العبرة في التأليف"، فإن المسألة لن تطول لمعرفة الابيض من الاسود في هذا المجال، مع الاشارة الى وجوب التوقف عند التراجع الاعلامي الكبير لنشاط السفيرتين الفرنسية والاميركية وباقي السفراء العرب والاجانب في اليومين الماضيين، بعد ان كان تحركهم الاعلامي على كل شفة ولسان، وتراجعت الوتيرة التصعيديّة في وجه حزب الله التي كانت بلغت مستوى عالياً في الآونة الاخيرة. فلننتظر الآتي من الايام.