مع الإنتهاء من إستشارات التأليف غير المُلزمة قانونًا والشكليّة مَضمونًا، إتجهت الأنظار إلى المُشاورات التي ستجري بشكل دوري ومُكثّف خلال الأيّام المُقبلة، بين رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس الحُكومة المُكلّف نجيب ميقاتي. فهل التفاؤل الذي يُشاع عن قُرب التشكيل في محلّه؟.
بداية، لا بُد من التذكير أنّه عند تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" النائب سعد الحريري تشكيل الحُكومة، جرى تعميم أجواء مُشابهة لتلك السائدة حاليًا، قبل أن تتبخّر الآمال وتتعرقل عمليّة التشكيل وتمتد لأشهر عدّة تواصل فيها الإنهيار وبلغ مراحل مُتقدّمة جدًا على مُختلف الصُعد. واليوم، تمّ تعميم أجواء تفاؤل بقرب تشكيل حُكومة جديدة، مع وُجود فوارق عدّة بين تكليفي النائبين الحريري وميقاتي. فتكليف ميقاتي جاء مَدعومًا بغطاء دَولي أكثر فاعليّة، وبدعم داخلي أوسع مع بُروز تصويت نواب كتلة "حزب الله" لصالح تكليف ميقاتي، إضافة إلى أنّ إدراك مُختلف الأفرقاء أنّ حجم الإنهيار الحالي بات يتطلّب تشكيل حُكومة اليوم قبل الغد. كما يجب الإشارة إلى أنّ رئيس "التيّار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل كان رفض خلال مُفاوضات تشكيل الحُكومة في الأشهر الماضية، إخراجه من المُعادلة السياسيّة، وبقاء رئيس "تيّار المُستقبل" النائب سعد الحريري في صلبها، بينما اليوم الوضع مُختلف حيث أصبح الحريري خارج التركيبة، وبالتالي بإمكان باسيل تقديم تنازلات مُهمّة تحت سقف المُعادلة التي شاعت في الماضي، لجهة مُشاركة الحريري وباسيل معًا، أو خروجهما معاً.
وبالنسبة إلى ما يُتوقع أن يحدث في الأيّام القليلة المُقبلة، الأكيد أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف سيزور قصر بعبدا مرارًا وتكرارًا، وبوتيرة سريعة مُختلفة عمّا قام به الحريري، في مُحاولة لإستغلال الزخم الإيجابي الذي تأتّى من سرعة عمليّة التكليف. وهذا الأمر سيُدرج ضُمن خانتي التشاور والتنسيق المَطلوبين والمَذكورين في الدُستور بين كلّ من رئيس الجمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف، الأمر الذي يُضفي المزيد من الإيجابيّة، مع الإشارة إلى أنّ الإتجاه هو نحو إنتقاء وزراء إختصاص، ونحو تبنّي صيغة الحكومة التي تتكوّن من 24 وزيرًا التي كان جرى التوصّل إليها.
لكن الخشية قائمة من أن تعود عمليّة التشكيل إلى مربّع الصفر، عند البحث في مرجعيّات الوزراء الذين سيتمّ إختيارهم، وكذلك عند البحث في عدد الوزراء الذين سيختارهم رئيس الجمهوريّة بالتحديد. وإذا كانت مُشاركة "الثنائي الشيعي" تحلّ مُشكلة التمثيل الشيعي، وتكليف النائب ميقاتي بغطاء سنّي يحلّ مُشكلة "التمثيل السنّي"، ومُشاركة الأحزاب الدرزيّة في الحُكومة تحلّ "التمثيل الدُرزي"، فإنّ المُشكلة الأبرز ستتمثّل في التمثيل المسيحي. فإعلان كل من "التيّار الوطني الحُر" وحزب "القوّات اللبنانيّة"، عدم المُشاركة في الحُكومة-لأسباب مُختلفة، إضافة إلى قوى أخرى مثل حزب "الكتائب اللبنانيّة" وغيره، سيفتح مُشكلة إختيار 12 وزيرًا مسيحيًا. فإذا كانت مُشاركة أحزاب "المردة" و"القومي" و"الطاشناق" وبعض المُستقلّين، ستحلّ تسميّة ثلاثة إلى أربعة وزراء، ستبقى مُشكلة المرجعيّة التي ستسمّي باقي الوزراء، ناهيك عن خلافات لا بُد وأن تظهر بشأن توزيع بعض الوزارات المُهمّة، على غرار وزارتي الداخليّة والعدل على سبيل المثال لا الحصر. أكثر من ذلك، بعض المُحلّلين إعتبرَ أنّ إعلان "التيّار الوطني الحُرّ" إستباقيًا عدم الرغبة في المُشاركة في الحُكومة، لا يهدف إلى التلطّي بستار المُعارضة المُربح شعبيًا في هذه الأيّام أكثر من غطاء السُلطة فحسب، بل يرمي إلى عرقلة أيّ مُحاولة لتشكيل حُكومة بمنأى عن رأي رئيس الجمهوريّة ومن خلفه "التيّار".
إشارة إلى أنّ مُقرّبين من رئيس الحُكومة المُكلّف ألمحوا إلى أنّ مهلة تشكيل الحُكومة لن تكون مَفتوحة مع ميقاتي، حيث أنّ هذا الأخير لن يتردّد في الإعتذار عن المُهمّة خلال أسابيع قليلة، في حال لمسَ عرقلة مُتعمّدة من قبل فريق رئيس الجُمهوريّة. وبالتالي، يُمكن القول إنّ الأيّام المُقبلة حسّاسة لمعرفة التوجّه العام للأمور، حيث أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف غير قادر على التنازل عمّا رفض التنازل عنه رئيس "تيّار المُستقبل"، وأقصى ما يُمكنه القيام به هو تدوير بعض الزوايا لتسهيل التشكيل. وهذا يعني أنّ الكُرة ستكون في ملعب فريق رئيس الجُمهوريّة، فإمّا التمسّك بالمطالب السابقة، وعندها لن يكون هناك حُكومة قريبًا، وإمّا تقديم بعض التنازلات على صعيدي العدد وبعض الحقائب الحسّاسة، وعندها تُولد الحُكومة خلال أيّام أو أسابيع قليلة، كحدّ أقصى.
في الخُلاصة، عُمر الحُكومة المُقبلة قصير، إلا في حال نجاح قوى السُلطة بالتهرّب من إجراء الإنتخابات النيابيّة ومن ثم الرئاسيّة في موعديها. وبالتالي، لا يُتوقّع أن تكون حلول الأزمة على يد هذه الحُكومة، بل هي ستكون قادرة على تقديم بعض "المُسكّنات" التي تُساعد الناس على الصُمود لفترة زمنيّة لا بأس بها، وذلك تبعًا لحجم الأموال والمُساعدات التي ستتلقاها من الخارج، ولسرعة وُصول هذا الدعم، في إنتظار إعادة تركيب السُلطة من جديد بعد الإنتخابات. أمّا في حال فشل الجُهود الرامية إلى ولادة حُكومة جديدة، فإنّ سُرعة الإنهيار الحالي ستتصاعد وحجم هذا الإنهيار سيبلغ سُقوفًا غير مَسبوقة!.