منذ ما قبل تكليف رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي محاولة تشكيل الحكومة الجديدة، خلفًا لمصطفى أديب ونجيب ميقاتي، تكثر "التكهّنات" في البلاد عن وجود "قرار" لدى القوى والأحزاب السياسية بوجوب تأليف الحكومة قبل الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من آب، والتي تصادف الأسبوع المقبل.
لعلّ عوامل عديدة تدفع نحو مثل هذا الاعتقاد، من بينها خشية السلطة من التحرّكات التي قد تواكب هذا النهار، والتي قد تفجّر "الغضب الشعبي" المتراكم على عدّة مستويات، من دون أن يكون محصورًا بالضرورة بالمماطلة القاتلة على خطّ التحقيقات بانفجار المرفأ، والتي وصلت إلى ذروتها مع "تمييع" طلبات الأذونات ورفع الحصانات المرتبطة بالقضية.
ثمّة من يخشى أن يمتدّ هذا "الغضب" ليشمل الوضع "الكارثي" الذي تمرّ به البلاد، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وفي ظلّ مسرحية "إذلال المواطنين" المتنقّلة، فتمهّد تحرّكات الرابع من آب "العفوية" إلى "انتفاضة" جديدة تشبه، في جانبٍ كبير منها حراك السابع عشر من تشرين، وهو ما قد لا ينجح في الحدّ منه سوى وجود حكومة "واعدة"، إن جاز التعبير.
من هنا، يعتقد كثيرون أنّ رئيس الحكومة المكلَّف نجيب ميقاتي يخوض "سباقًا مع الزمن" لتشكيل حكومته قبل تاريخ الرابع من آب، فهل تكون طريقه "معبَّدة" لذلك، في ظلّ دعم "مطلَق" له أظهرته استشارات اليومين الماضيين، أم أنّ "العوائق" ستكون أقوى، فتحدّ من "الاندفاعة"، لا سيما بعد اعترافه بنفسه بأنّ المهمّة التي تنتظره "معقّدة" وليست سهلة؟.
ثمّة أكثر من وجهة نظر في هذا الإطار، تتظلّل الأولى "إيجابية مفرطة"، إن جاز التعبير، استنادًا إلى الكلام "المُباح" الذي أحاط وأعقب الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا وغير الملزمة في عين التينة، إذ إنّ من تابعها خرج بانطباع أنّ كلّ الكتل، الكبرى منها والصغرى، إضافة إلى النواب المستقلين، سيدعمون ميقاتي ويسهّلون مهمّته بكلّ ما أوتوا من قوة.
يتكرّس هذا "الانطباع" مع بعض المؤشّرات "المشجّعة" التي أفرزتها الاستشارات، بدءًا من تسمية "حزب الله" لميقاتي، خلافًا للحريري، ما أعطاه "فائض قوة"، وفق ما يرى البعض، مرورًا بانفتاح "التيار الوطني الحر" عليه، رغم عدم تسميته، وتأكيده رغبة "التعاون" معه، وفق قاعدة أنّه سيقابل كلّ إيجابية بما يماثلها، أو ربما يفوقها إلى حد بعيد.
ولعلّ تصريحات النواب بعد لقاء ميقاتي تؤكّد هذا المنحى، فالوزير السابق جبران باسيل مثلاً، والذي كانت كلّ الأنظار مشدودة نحوه، حمل في موقفه الكثير من "الليونة والمرونة"، ما أوحى وكأنّه تجاوز "التجربة السابقة غير المشجّعة"، رغم "تعمّده" التذكير بها، وهو حرص بالتوازي على التأكيد أنّه "لا يريد" أيّ حصّة في الحكومة لتيّاره السياسيّ.
لكن، من هذه النقطة، ثمّة من يتسلّل للحديث عن "نوايا مبيّتة"، بعيدًا عن الكلام "المعسول" الذي قد لا يعكس الحقيقة، إذ إنّ باسيل كان يكرّر هذا القول، من دون أن ينعكس على أرض الواقع، إذ إنّ "حروب البيانات" بينه وبين رئيس الحكومة المكلّف "السابق" سعد الحريري، كانت "تفضح" العكس، وتَشي بما لا تخرج به التصريحات "الإيجابيّة" الرسميّة.
ويعتقد كثيرون أنّ لا شيء يدفع نحو "التكهّن" بجو مختلف سيسود مع ميقاتي، خصوصًا أنّ الأخير واضح بأنّه يتحرّك تحت سقف "الشروط" التي وضعها نادي رؤساء الحكومات السابقين، والتي "تتقاطع" بشكل كبير مع تلك التي حدّدها الحريري في السابق، علمًا أنّ هناك داخل "التيار" من لا يزال يسأل بجدّية عن منافع "تطيير" الحريري، في ضوء ما أفضت إليه الأمور.
وفي حين يسجّل البعض "إيجابية" في "نشاط" ميقاتي الأولي، الذي سارع بعد انتهاء استشاراته للاجتماع مع رئيس الجمهورية، واعدًا بـ"تكثيف" زياراته إلى قصر بعبدا، يذكّر آخرون بأنّ الجو بعد تكليف الحريري لم يكن مغايرًا، بل إنّ محطّات عدّة في مسيرة تكليفه شهدت على "موجات" من التفاؤل والإيجابية المفرطة، التي سرعان ما كان يتبيّن أنّها "وهميّة".
وبين الإيجابية "المفرطة" والسلبية "المطلقة"، إن جاز التعبير، يغلب "الحذر" على من يقفون في منطقة "الوسط"، ويقودهم رئيس الحكومة المكلَّف نفسه، الذي لطالما كان من دعاة "الوسطية"، وهو صاحب مقولة "النأي بالنفس"، فهو كان واضحًا في تصريحه الأول بعد الاستشارات، على أنّه لا يملك "عصا سحرية" ولا يستطيع فعل "العجائب".
لكنّ ميقاتي، رغم ذلك، أكّد أنّه قد ينجح في مهمّته، إذا ما "تضافرت" الجهود، وبالتالي "تعاون" الجميع على تسهيل مهمّته، مستندًا إلى ما قال إنّها "ضمانات خارجية" يتكئ عليها، وإن اختلفت "التفسيرات" لهذه الضمانات، بين من قال إنّها "ضغوط" يمارسها المجتمع الدولي، ومن قال إنّها "وعود" بالمساعدة، ومن رأى أنّها غير كافية طالما أنّها تفتقد إلى "المباركة" السعوديّة.
يقول المحسوبون على ميقاتي والمقرّبون منه إنّ الرجل "مستعجل"، ويريد تأليف حكومة اليوم قبل الغد، ويؤكدون أنّه يقارب تأليف الحكومة بـ"نَفَس" إيجابي و"روحيّة" منفتحة على الجميع، ويقول المحسوبون على "العهد" إنّ مصلحة الأخير أن "يتعاون" ويسهّل مهمّة ميقاتي، بمُعزَل عن تقييمه له، إلا إذا ما تبيّن أنّ هناك من "يُضمِر" خلاف ما يعلن.
وبين هؤلاء وأولئك، يبقى الأكيد أنّ مرحلة "الجدّ" بدأت للتوّ، بعدما انتهت "سكرة" الاستشارات، المليئة بالتصريحات العلنية الإيجابية والمشجّعة، والتي بات واضحًا أنّها لا تعكس الحقيقة البتّة، فالأساس يبقى ما يحصل في الغرف المغلقة وخلف الكواليس، حيث كان ولا يزال نقاش "المحاصصة" يتصدّر، رغم كلّ ما يُقال في الخارج.
فهل تنتصر "الإيجابية" في نهاية المطاف، انطلاقًا من أنّ البلاد لم تعد تحتمل "ترف" مماطلة تضرّ ولا تنفع، أم أنّ "الأطماع" ستبقى سيّدة الموقف لتطيح بما قد تكون "الفرصة الأخيرة"، ولو أنّ البعض يسلّم بأنّ "الانهيار" وقع، سواء شُكّلت حكومة أم لم تشكَّل، بل إنّ "لا حكومة" قد يبقى أفضل من حكومة "محاصصة" تزيد الأزمة تعقيدًا!.