أشار صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه "قبل 10 أعوام، بالقرب من مدينة أوباري الليبية الصحراوية، اعترضت مجموعة من المتمرّدين المسلّحين موكبًا صغيرًا أثناء محاولة الفرار جنوبًا باتجاه النيجر، ووجدوا في السيارة سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبيي السابق معمر القذافي، فنقلوه إلى مدينة الزنتان جنوب غرب العاصمة. ولأنه كان مطلوبًا أيضًا للمحكمة الجنائية الدولية، فقد اعتُبر رهينةً غالية، وظل أسيرًا لدى الزنتانيين حتى بعد انتخابات ليبيا عام 2012".
وفي مقابلة مع "نيويورك تايمز"، أكد سيف الإسلام أنه "حرٌّ ويرتّب لعودته إلى الساحة السياسية"، موضحاً أن "المقاتلين الذين اعتقلوه قبل 10 سنوات قد تحرّروا من وهْم الثورة، وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم".
وأوضح أنه بعد مشاركته في القتال لفترة وجيزة في باب العزيزية عندما حاصر المتمردون طرابلس في آب 2011، فرّ إلى بلدة بني وليد، معقل النظام في المنطقة الجنوبية الشرقية، وبقي هناك حتى منتصف تشرين الأول عندما أودت الضربة الجوية التي شنها الناتو بحياة 22 شخصًا من أتباعه وأصابته في يده اليمنى".
وتابع، "فريتا أولاً إلى مدينة سرت ومنها إلى وادٍ صحراوي، بإصابة يدي التي كانت تزداد سوءًا طوال هذا الوقت. استطعت التواصل مع رئيس المخابرات في نظام أبي عبد الله السنوسي، واتفقا على أن نلتقي في المثلث الحدودي الجنوبي بين ليبيا والجزائر والنيجر. وبينما كنت في طريقي إلى هناك، ألقى مقاتلو الزنتان القبض علي".
وشدد على أنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي خلال السنوات الأولى من اعتقاله، "وقضيت بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، وهي غرفة تحت الأرض شُقّت وسط الصحراء أسفل منزل في بلدة الزنتان. لم يكن بالغرفة أي نوافذ، ولم يكن يميّز الليل عن النهار أغلب الوقت. كنت وحيدًا تمامًا، وأدركت أنه قد أموت في أي لحظة، فازددت إيمانًا. وذات يوم في مطلع عام 2014، تلقيت زيارةً غيرت مجرى حياتي. اندفع رجلان من كتيبة الزنتان شاركا في حركة التمرد".
وقال القذافي إنه "ظل يستمع إليهما وهو يشعر بأن شيئًا ما يتغيّر. كانت الثورة تلتهم أبناءها. في النهاية، سيشعر الليبيون بإحباط شديد لدرجة أنهم سينظرون إلى الماضي ويشعرون بالحنين إلى عهد القذافي. وهذا بدوره قد يهيئ له الفرصة ليستعيد كل ما فقده"
وأعرب عن اعتقاده بأن الحركة التي يقودها "بإمكانها أن تعيد للبلاد وحدتها المفقودة". وأضاف، "لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها. ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة. إذا ذهبتَ إلى محطة الوقود، فلن تجد وقودًا. نحن نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا، نحن نضيء نصف إيطاليا ونعاني نحن من انقطاع الكهرباء. ما يحدث تخطّى حدود الفشل. إنه مهزلة".
وأكد "غياب مفهوم الدولة في ليبيا منذ عام 2011. فلم تكن الحكومات المختلفة التي حكمت البلاد منذ ذلك الحين سوى مجموعة من المسلّحين يرتدون البدلات". وأضاف، "ليس من مصلحتهم أن تكون لدينا حكومة قوية، ولذا فهم يخشون الانتخابات. إنهم يعارضون فكرة وجود رئيس ودولة وحكومة ذات شرعية مستمدة من الشعب”.
ولفتت الصحيفة إلى أنه "رغم اختفاء سيف الإسلام عن الساحة، فإن تطلعاته للرئاسة تؤخذ على محمل الجدّ. فخلال المحادثات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الليبية الحالية، سُمح لمؤيديه بالمشاركة، ونجحوا بمهارة إلى الآن في إلغاء شروط للانتخابات كانت ستحول بينه وبين الترشّح".
وأردفت: "تشير بيانات استطلاعات الرأي المحدودة في ليبيا إلى أن قطاعًا عريضًا من الليبيين، بنسبة 57 بالمئة في منطقة واحدة، عبّروا عن ثقتهم بسيف الإسلام. وقبل عامين". وشددت على أنه "لا شكّ أن فوز سيف الإسلام في الانتخابات سيمثل انتصارًا رمزيًّا للحكّام العرب المستبدين الذين يشاركونه كراهية الربيع العربي. وسيحظى هذا الفوز بالترحيب أيضًا من الكرملين الذي دعم من قبل أصحاب النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، والذي يظل طرفًا عسكريًّا مؤثرًا في ليبيا بجنوده ونحو 2000 مرتزق في الميدان".
وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي ذو خبرة طويلة في الشأن الليبي، تأكيده أن "الروس يعتقدون أن سيف الإسلام قد يفوز، ومن الواضح أن أطرافًا خارجية أخرى تدعمه".
وعن كونه مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، والحكم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص خلال دعوى قضائية في طرابلس عام 2015، أبدى سيف الإسلام ثقته "بقدرته على تخطي تلك المسائل القانونية إذا اختارته أغلبية الشعب الليبي ليكون قائدًا لهم".
وتطرق سيف إلى شعوره بالخوف على ليبيا في الأيام الأولى من الاحتجاجات بعد عودته من لندن، فقال: “حذّرتُ الجميع ‘أسرعوا الخطى في مشاريع الإسكان وفي الإصلاحات الاقتصادية، لأنكم لا تعرفون ما الذي سيحدث في المستقبل. لإجهاض أي مؤامرة ضد ليبيا، جئتُ إلى بنغازي وقلت: علينا أن نُسرع الخطى. غير أن عناصر عدّة داخل الحكومة كانت تعمل جاهدةً ضدي”.
بموازاة ذلك، أفادت الصحيفة بأن "سيف الإسلام يرى أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وليس معمر القذافي، هي من يتحمل مسؤولية الدمار الذي حلّ بليبيا. وربما يكون محقًّا في ذلك". وتابعت، "عندما اندلعت الانتفاضة الليبية، واجه الأميركيون نفس السؤال الذي واجهوه لاحقًا مع سوريا: هل يجدر بك تدمير دولة إذا كنت لا ترغب بتحمل عبء إعادة بنائها؟ في حالة سوريا، كانت الإجابة بالنفي. أما في ليبيا، فقد اتُّخذ قرار بدعم حملة الناتو العسكرية تحت ضغوط هائلة، في الوقت الذي حذر فيه دعاة حقوق الإنسان من مذبحة وشيكة".
وقالت: "دمّرت ضربة الناتو الجوية عام 2011 بعض المناطق في ليبيا، وفي العالم التالي تخلّت الولايات المتحدة عن ليبيا بعد اغتيال الجهاديين لسفيرها جون كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين في بنغازي. وفي السنة الأخيرة من رئاسة أوباما، أقرّ بأن أكبر خطأ ارتكبه أثناء توليه الرئاسة كان غياب التخطيط لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا".
وعن المتمردين، اعتبر القذافي أن "العالم بأسره كان يقف معهم لم يكونوا بحاجة للتوصل إلى تسوية". ورأى أن "وسائل الإعلام العربية شيطنت نظام القذافي إلى درجة جعلت من المستحيل إقامة حوار بين الجانبين"، موضحاً أن "المتمردين عقدوا العزم على تدمير الدولة، وأن أي مجتمع قبلي مثل ليبيا يضيع بدون دولة. ما حدث في البلد لم يكن ثورة، ويمكنك أن تسميها حربًا أهلية أو أيام شؤم، لكنها لم تكن ثورة".
ووصف سيف الإسلام ربيع وصيف 2011 بـ "مسلسل من الأزمات السريالية"، موضحاً أنه كان تلقى اتصالات هاتفية من زعماء أجانب كانوا يعتبرونه على الأرجح وسيطًا بينهم وبين أبيه، "وأحد المتصلين المعتادين كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان في البداية في صفّنا ضد التدخل الغربي، ثم بدأ يقنعني بمغادرة البلاد”.
وأشار إلى أن "أردوغان وصف الانتفاضات بأنها مؤامرة خارجية تُحاك منذ زمن بعيد. في وقت أرى أن حرب 2011 قد انبثقت عن التقاء توترات داخلية كانت تعتمل منذ وقت طويل مع أطراف خارجية انتهازية، من بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. كانت عدّة أمور تحدث في آن واحد. زوبعة عارمة".
وحول سؤال عما إذا كان وجد غرابةً في الاحتماء بمنازل مؤيدي القذافي بعد فراره من طرابلس عام 2011. قال القذافي: “نحن نشبه السمك والشعب الليبي يشبه البحر. من دونهم نموت. هنا نحصل على الدعم. هنا نختبئ. هنا نقاتل. نحن نحصل على الدعم من هذا المكان. الشعب الليبي هو البحرُ لنا".
وفي السياق، شدد القذافي على أنه "لا يحمل أي انتقادات لعهد والده الذي استمر 40 عامًا"، مشيرًا إلى أن "بعض السياسات الاشتراكية في الثمانينات ربما تكون قد خرجت عن مسارها، لكن والده أدرك ذلك وصحّح الوضع".