يأتي الاحتفال بالعيد الـ76 للجيش اللبناني بظروف بالغة الدقة والخطورة والتعقيد، تتداخل فيها الملفات كافة: السياسية، الأمنية، الاقتصادية، المعيشية والحياتية مع انتشار فيروس "كورونا"، لتزيد من وطأة المُعاناة على مُختلف مناحي الحياة.
ظروف تكاد تكون فريدة عمّا سبقها من أحداث وحروب، ربّما لم تصل فيها إلى خطورة هذه المرحلة، بفعل عوامل عدّة، من أجل تعميم الفوضى بهدف انهيار أركان مُؤسّسات الدولة.
غالبية المسؤولين في لبنان، تنطلق من حسابات مصالحها الخاصة، غير آبهة بمصلحة الوطن، بعدما أمعنت بنهش خيراته، وتدمير مُؤسّساته، وقد نجحت إلى حدٍّ كبيرٍ في شل عمل مُؤسّسات عدّة أو تجميدها وعرقلة قيامها بمهامها.
في خضم كل ذلك، لم يستثنِ كُثُر من المسؤولين استهداف أي من المُؤسّسات لإبقاء سيطرتهم، واضطرار المُواطنين اللجوء إليهم في كل شاردة وواردة، للحصول على حقّهم الطبيعي، الذي كفله الدستور، لكنّهم سعوا إلى تعميم مبدأ "الاستزلام"، الذي رفضه كُثر.
حتى مُؤسّسة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لم تسلم من مكائد بعض السياسيين، الذين أمعنوا إجحافاً بحقوق العسكريين بتخفيض مُوازنة المُؤسّسة العسكرية، فحرموهم في وجبة الطعام من اللحوم، فكان ردّهم الاستمرار بالتصدّي ومُواجهة الفتن والمُؤامرات باللحم الحي.
استهداف للمُؤسّسة العسكرية بقيادة العماد المغوار جوزاف عون، الذي تلقّى قصفاً بمُختلف أنواع الأسلحة ونصب شرائك الألغام، لكنه استطاع بفعل إقدامه وخبرته ودرايته، التي اكتسبها بخوضه المعارك ضد العدو الإسرائيلي وشبكاته التجسّسية وخلايا المجموعات الإرهابية، إتقان كيفية تفكيك الألغام، وترسيخ عقيدة الجيش بأنّ الولاء أولاً وأخيراً هو للوطن، الذي يستحق التضحيات، لأنّ الآمال مُعلّقة عليه من اللبنانيين المُخلصين، بما يُشكّله من نموذج للانصهار الوطني، من أجل وطن منشود، لا يكون فيه الولاء لزعيم أو شخص، بل للبنان، نموذج الرسالة.
على الرغم من كل السهام التي تستهدف الجيش وقائده، إلا أنّ العماد المغوار جوزاف عون مارس قناعاته التي تربّى عليها في منزل والده خليل، الذي تجلّى إيمانه بالمُؤسّسة العسكرية بشكل واضح، يوم حاول البعض الانشقاق
عن الجيش والانضمام إلى "جيش لبنان الحر" بإمرة الرائد سعد حداد، استغلالاً لما جرى في مسقط رأس العائلة بلدة العيشية - قضاء جزين في العام 1976.
بل كان الأب يدفع بإبنه البكر جوزاف (المولود يوم الجمعة في 10 كانون الثاني/يناير 1964 في سن الفيل، ولم يتم 19 عاماً) ليتطوّع في العام 1983 تلميذ ضابط في الكلية الحربية، التي تخرّج منها يوم الإثنين في 6 أيار/مايو 1985 برتبة مُلازم، وكانت الدورة الأخيرة قبل توقّفها إلى حين إعادة افتتاح الكلية الحربية، بعد وقف الحرب الأليمة في لبنان.
هذه المبادئ والمُثُل والقيم التي تربّى عليها العماد جوزاف عون في منزل والديه خليل وهدى، استمرًّ بها مع زوجته نعمت والعائلة، وعمل على تكريسها في مُختلف المناصب التي تولاها، والمهام التي أوكلت إليه، وصولاً إلى تسلّمه قيادة الجيش، يوم الأربعاء في 8 آذار/مارس 2017.
لذلك، ليس غريباً أنْ يُضحّي الجيش بقيادة العماد المغوار جوزاف عون، على اعتبار أنّه المُؤسّسة الأخيرة المُحصّنة بوجه المُؤامرات، وخشبة الخلاص لتحقيق الآمال المرجُوّة، بإجماع وطني، وحرص عربي وإقليمي ودولي، على مكانة المُؤسّسة العسكرية، كونها المعقل المُحصَّن بوجه ما أفسده السياسيون، والركن الأساسي لإعادة اللُحمة إلى الوطن، وبناء مُؤسّسات الدولة وفق أُسُس بعيدة عن الفساد والمُحاصصة.
يُدرك قائد الجيش المخاطر المُحدِقة، لذلك أطلق صرخةً - ربما لم يود بعض السياسيين سماعها - لمخاطر المرحلة، في ظل تداعيات انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020، والظروف الصعبة، بتأكيده على "رفض المس بالأمن، وعدم التساهل أو التهاون مع مَنْ يعبث بالاستقرار، كائناً من كان، لأنّ الجيش هو من أبناء لبنان، ووجع المُواطنين وجع لأبناء المُؤسّسة العسكرية، وأمنهم أمانة في الأعناق، والاستقرار مسؤولية الجميع".
انطلاقاً من كشف ما يُخطّط للبنان من مُؤامرات فتنوية، تهدف إلى تعميم الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار، واستغلال الظروف المعيشية الصعبة، حذّر قائد الجيش من مخاطر ذلك، حاثّاً أبناء المُؤسّسة العسكرية على "الاستمرار بالقيام بواجبهم، لأنّ كل الأنظار شاخصة إلى المُؤسّسة الوطنية الجامعة، ما جعلها تحوز ثقة الشعب ودول العالم، وهو ما يتطلّب مُواجهة التحديات بكل حِكمة وصبر، بوأد الفتنة في الداخل، وأنْ تبقى العين ساهرة على الحدود، لمُواجهة العدو الإسرائيلي وتهديداته، فضلاً عن المجموعات والخلايا الإرهابية، ومهام مُكافحة كل ما قد يُؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار لبنان".
هذا يتطلّب تضحيات، قدّم من أجلها الجيش، الشُهداء والجرحى على مدى عقود عدّة، ليحفظ أمن واستقرار لبنان.
في العيد الـ76 للجيش الوطني، كل التحية إلى قائده العماد المغوار جوزاف عون، وضُبّاط ورُتباء وأفراد المُؤسّسة العسكرية والأجهزة الأمنية اللبنانية، في مرحلة دقيقة يمرُّ بها لبنان، تحتاج إلى تقديم كل دعم وليس استهداف أمل إنقاذ لبنان!