رغم كل الكلام عن الأجواء الإيجابية الناجمة عن لقاءات رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، والليونة التي تسود مشاورات البحث في عملية تأليف الحكومة المرتقبة بينهما، لكن ذلك لا يعني شطب بروز العراقيل في وجه العملية المذكورة من الحسبان.
فلاريب ألا مصلحة للرئيس سعد الحريري بنجاح ميقاتي حيث فشل الأول. وهنا لا تخفي مصادر معنية بعملية "التأليف" تخوفها من إقدام الثنائي الرئيس نبيه بري- الحريري على وضع "العصي في دواليب الحل الحكومي المرتجى، تحت عنوان حماية المكتسبات المذهبية، من خلال تمسكهما بوزارتي المال والداخلية، الأول بحجة الإبقاء على التوقيع الرابع (أي وزارة المال) لدى الطائفة الشيعية، والثاني بحجة الدفاع عن حقوق الطائفة السنية ومكتسباتها، من خلال الحفاظ على حقيبة الداخلية، ما يشكل خروجاً على الأطر الدستورية، في ضوء توجه رئيس الجمهورية نحو تطبيق المداورة الشاملة في توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة المرتقبة، فلا نص دستورياً يحدد تكريس حصرية وزارة محددة بطائفة محددة.
وفي هذا الصدد تؤكد مصادر متابعة لحركة المشاورات الحكومية، أن اللقاءات الثلاثة المنصرمة بين الرئيسين عون وميقاتي، خيّمت عليها الأجواء الإيجابية، وروحية التعاون بين الجانبين، للتوصل الى إتفاقٍ يفضي الى ولادة الحكومة المنتظرة في أسرع وقتٍ ممكنٍ. وتعتبر أن ميقاتي أكثر مرونةً وجديةً من الحريري، ولدى الرئيس المكلّف هامش مناورة أوسع من الأخير، ويحظى ميقاتي بغطاءٍ دوليٍ أكبرٍ، كونه متحرر من العبء السعودي، على حد تعبير المصادر.
ووسط هذه الأجواء ترجح المصادر المذكورة إمكان التوصل الى إيجاد حلولٍ للعقد التي قد تعرقل "الولادة المنتظرة". ولا تستبعد التفاهم بين المعنيين على أسمي شخصيتين مارونية وسنية لتولي حقيبتي الداخلية والعدل، على أن يحظيان بموافقة طرفي التأليف، ويكونان على مسافة واحدة منهما، ومقبولتين من مختلف الأفرقاء المعنيين بتأليف الحكومة، ودائماً برأي المصادر.
وتعقيباً على ورد آنفاً، تكشف مصادر معنية "بالتأليف" عن إقتراحٍ لتفادي معضلة توزيع الحقائب الوزراية الأساسية على المكونات الطائفية الأساسية للمجتمع اللبناني، من خلال إسناد الحقائب المذكورة الى "الأقليات"، هذا إذا صدقت النيات، وتنازل الجميع عن السقوف العالية لمصلحة تجنب الانهيار والارتطام الكبير، على حد قول المصادر عينها.
وفي سياق أجواء المشاورات الحكومية الإيجابية، يؤكد عضو في تكتل لبنان القوي ما ورد آنفاً، تحديداً في ما ذكر عن إيجابية ميقاتي، وحسن تعاونه، ومرونته حتى الآن، كاشفاً أن المشاورات الحكومية بين الرئيسين لاتزال في إطار البحث في التوزيع الطائفي للحقائب الوزارية، ولم يتم التطرق الى الأسماء في اللقاءات الثلاثة الفائتة بين الرئيسين. ويكشف أن مشاورات "التأليف" قطعت شوطاً مهماً يصل ما بين 50 الى 70 بالمئة من رحلتها، على أمل تجاوز مطبات شيطان التفاصيل، والعراقيل التي قد يضعها المتضرورن من نجاج فرصة ميقاتي، حيث فشل سواه، على حد تعبير عضو "التكتل".
ويعتبر أن الثقة الخارجية بتكليف ميقاتي ودعم حكومته المرتقبة، لا يكفيان لنجاح مهمتها، بل يتطلب بالإضافة الى ذلك دعماً لبنانياً داخلياً، من خلال تعهده بالتمسك بتطبيق التدقيق الجنائي المالي، وتقديم كل التسهيلات لكشف المسؤولين عن إنفجار مرفأ بيروت، وغير ذلك من إحقاق حقوق الناس، على حد قوله. ويعوّل على لقاء يوم الأثنين المرتقب بين الرئيسين في قصر بعبدا، متوقعاً أن يعلن عقبه نتائج مرضية للبنانيين، ويكتفي بهذا القول، من دون أن يفصح عن التفاصيل.
وتؤكد أوساط الرئيس المكلَف بدورها الأجواء الإيجابية المذكورة، خصوصاً لجهة حسن التعاون والتجاوب بين الرئيسين. وتعول على حكمة رئيس الجمهورية، وحرصه على إنقاذ البلد. وتنقل عن ميقاتي قوله: "لقد قطعت مشاورات التأليف نحو 40 الى 60 في المئة من رحلتها". وتؤكد الأوساط عينها أن تعاون الرئيسين وتصميمها على التوصل الى إتفاق يؤدي الى تشكيل الحكومة المرجوة، سيفوّت الفرصة على المعرقلين والمعطلين، من أي طرفٍ كان، تختم أوساط ميقاتي بهذا القول.
وفي السياق عينه، يعتبر مرجع في محور المقاومة أن الحكومة المرتقبة لن تبصر النور في وقتٍ قريبٍ، لأن الحريري لا يريد ضمناً نجاح ميقاتي، وأن يكن رئيس "المستقبل" أعلن تأييد تياره لمهمة الرئيس المكلف، "فالأول يضمر عكس ما يظهر"، على حد تعبير المرجع.
ويرى أن الحريري أراد من خلال تسمية ميقاتي، أن يستخدمه "ككاسحة ألغام" لتأمين سير زعيم "المستقبل" في أمانٍ على الطريق التي فشل بسلوكها، خصوصاً لجهة تحمل المسؤوليات الجسام، على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي في الظروف الصعبة الراهنة التي تمر فيها البلاد. أضف الى ذلك، فأن الأفق الحكومي مقفل أمام الحريري، في ضوء تشدد المملكة في رفض تولي الحريري رئاسة الحكومة، وقد يستغل الحريري هذا الوقت، اي "وجوده خارج السرايا الكبيرة" لمحاولة إعادة ترميم علاقته مع السلطات السعودية.
وقد يحاول الحريري طرح نفسه لدى السعوديين منقذاً للأوضاع في لبنان، خصوصاً في حال فشل ميقاتي "بالتأليف"، أو في إدارة المرحلة، هذا في حال التوصل الى تأليف حكومةٍ جديدةٍ. أما في حال نجاحه (اي ميقاتي)، يحاول زعيم "المستقبل" عندها تجيير النجاح لنفسه، كونه تبنى ترشيح الأول، وتسميته، ودعمه الظاهري. أما في حال فشل رئيس الحكومة المكلّف في مهمته، عندها يظهر الحريري أمام الرأي أنه غير مسؤول، وتقع المسؤولية في ذلك على عاتق "المكلف".
ولايستبعد المرجع تحريض الحريري "لنادي رؤساء الحكومات السابقين"، على ميقاتي في حال أبدى أي استعداداً للتجاوب مع رئيس الجمهورية، في شأن تطبيق المداورة في توزيع الحقائب الوزارية، وعدم تكريس حصرية وزارة محددة بطائفة محددة، خصوصاً في ضوء تمسك "رؤساء الحكومات" بوزارة الداخلية، وعدم حصول أي مكونٍ حكومي على الثلث الضامن من أعضاء الحكومة المرتقبة، كونه يصبح رئيساً فعلياً للحكومة برأي "نادي الرؤساء"، بحسب معلومات المرجع.
ويعتبر أن ما قد يدفع الى بروز الخلاف الحكومي بين الرئيسين، هو حق تمسك رئيس الجمهورية من جهته بتسيمة ثمانية وزراء مسيحيين، بالإضافة الى وزاء حزب الطاشناق، الأمر الذي يرفضه ميقاتي، الذي يعمل تحت عباءة " الرؤساء السابقين"، لذا يجب أن توضع الطبخة الحكومية على "نارٍ هادئةٍ"، لأن البلاد لم يعد وسعها تحمل المزيد من الخيبات، يختم المرجع.