من الخطورة بمكان النظر بخفة وبساطة إلى مسلسل الأعمال الجرمية التي ارتكبت بحق المواطنين اللبنانيين في خلدة بدءاً بجريمة قتل الشاب علي شبلي وصولاً إلى الكمين الذي نُصب في اليوم التالي لجنازته مع ما رافقه من تبجّح وعنتريات تظاهَر بها القتلة من المجنّسين في فترة حكومات رفيق الحريري، واعتبار تلك الجرائم ذيولاً ثأرية لأعمال وقعت قبل عام تقريباً في خلدة على اثر قيام بعض من أولئك المجنسين بمنع اللبنانيين في المحلة من رفع صور وشعارات مناسبة لذكرى عاشوراء، الخلاف الذي أدّى يومها إلى قتل الشاب غصن دون أن يحدّد القاتل أو ظروف القتل بشكل موثوق.
انّ ما حصل في خلدة من أعمال عنف وإجرام هي خطة بعيدة الأهداف ترمي إلى تفجير الوضع الأمني اللبناني وتحقيق أهداف في لبنان عجز المعتدي على المقاومة ومحور المقاومة عن تحقيقها رغم عمله الدؤوب منذ سنتين ونصف السنة أيّ تاريخ إطلاق خطة بومبيو لتدمير لبنان وتفكيك المقاومة فيه. إذ لو كانت جرائم خلدة مجرد أعمال ثأرية لكانت الأمور توقفت عند إلقاء القبض على الجاني الذي قصد عن سابق تصوّر وتصميم مسبحاً وقتل على شبلي عامداً متعمّداً، فوجود المجرم في يد الدولة يعني منطقياً وقفاً مبدئياً للمواجهة ومنعاً لتمادي الأفعال في تسلسلها إلى حدّ مهاجمة الجنازة واستهداف المشيّعين وقطع طريق الجنوب الدولية التي يعرف الجميع أهميتها وخاصيتها الاستراتيجية، ولهاذا فإننا نرى بأنّ سلسلة الأفعال الإجرامية حصلت بعد ذلك وفقاً لخطة مدبّرة ومحكمة.
فالذي خطط للجريمة المتسلسلة الأفعال وعلى يومين كان يرمي إلى وضع المقاومة بين خيارين… بين السيّئ والأشدّ سوءاً، وهما خياران أحلاهما مرّ، ويتمثل الأول في قبول المقاومة وبيئتها بتهجير لبنانيين من منازلهم في خلدة وبقطع الطريق من قبل عصابة مأجورة معدة للاستعمال الخارجي تعمل بتوجيهات المخطط عبر عملاء محليين من سياسيين وغير سياسيين، وفي هذا مسّ بالمقاومة وأمن جمهورها، مسّ يراكم ما تشكل من سلبيات اثر الحرب والإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه أميركا عبر خطة بومبيو، والذي ضيّق الخناق على لبنان فباتت المحروقات منتفية الوجود في السوق، وبات المستهلك أسير السوق السوداء التي تلزمه بدفع الكلفة 5 أضعاف ما هي عليه، والأمر ذاته يُقال عن الدواء مع خطورة أكبر! وهكذا بالنسبة لسلع أخرى.
وإذا كان القبول بهذا الواقع السيّئ غير ممكن الاحتمال فيكون الحلّ الآخر والمتضمّن الاحتكام إلى القوة إذا قصّرت الدولة عن حماية مواطنيها وعجزت عن تأمين سلامة المرور على الطرق الاستراتيجية وفي طليعتها طريق الجنوب الدولية، وهذا ما يبغيه المخطط الأميركي بالضبط. فكلّ القصد هو جرّ المقاومة وبيئتها إلى الميدان الذي يشغلها ثم يشتت قواها ثم يقطع أوصالها مع تقطيع الطرق التي تصل مناطقها ثم يلزمها بتحويل سلاحها إلى الداخل ويعطي المخطط عند ذلك فرصة القول ليس هناك مقاومة بل هو سلاح غير شرعي يُستعمل ضدّ المدنيين ويتوجّب نزعه، وهذا بالضبط ما كانوا أرادوه بالقرار 1559 وما تلاه وهذا ما يقصده السياسيون في لبنان وخارج لبنان عندما يتحدثون عن تطبيق القرارات الدولية والشرعية الدولية إلى ما هنالك من طروحات يُراد بها الباطل ضدّ المقاومة التي حرّرت الأرض وكسرت شوكة «إسرائيل».
وعليه نقول بأنّ من خطط لتدمير لبنان نجح في المراحل الثلاثة الأولى المتمثلة بالفراغ السياسي والانهيارين المالي والاقتصادي ووصلت منشاره إلى عقدة الانهيار الأمني والانفجار الأمني وهو سيواجه هنا حلاً من اثنين أولهما صلابة المنشار وتحقيق الانفجار، والثاني صلابة الوضع والعقدة وانكسار المنشار.
فالوضع الأمني في لبنان الآن هو العنوان الذي يحدّد باتجاهاته المرحلة المقبلة، فإما أن يبقى صلباً يستعطي على التفجير وتتآكل خطة بومبيو ويضطر المخطط إلى الخروج بخفي حنين رغم ما سبّبه من ألم ومصائب للبنانيين الذين استهدفهم بالحرب الاقتصادية ودفعهم إلى الجوع، أو ينفجر الوضع وعندها تسير الخطة قدماً كما رسم لها المخطط الذي سيجد نفسه قادراً على تحقيق أهدافه التي تختم بعدوان «إسرائيلي» يتوخى منه أن يقيّد المقاومة ويفككها.
بيد أنّ لبنان وعبر ما تبقى له من مظاهر الدولة فيه ورغم كلّ شيء لا يزال قادرا على منع التفجير الأمني خاصة أنّ الجيش اللبناني الوطني يعمل تحت قيادة ترى مصلحة لبنان فوق أيّ اعتبار وتعرف أنّ التفجير الأمني هو إنهاء للبنان وتشتيت وتمزيق له.
ولذلك فإننا نتطلع إلى الجيش اللبناني للقيام بأهمّ وأخطر مهمة وطنية في الوقت الحاضر، ليقوم بدراسة الوضع وتقدير الموقف الداخلي وتحديد مواطن الحرارة الحساسية المنتجة للتفجير ووضع اليد عليها عبر انتشار قتالي يتقدّم في أهميته على أيّ انتشار آخر نقترح هذا مع علمنا ويقيننا أنّ الجيش يمرّ بأصعب الظروف المعيشية واللوجستية على صعيد الأفراد وعلى صعيد عائلاتهم، ولذلك ندعو كل حريص على لبنان وامنه أن يساهم في إمداد العسكري اللبناني بعضاً من الأشياء التي تخفف معاناته وتجعله يتفرّغ لمهامه الوطنية البالغة الخطورة