عمليّة أمنيّة خطيرة في منطقة خلدة كانت كافية لإماطة الّلثام عن حراك أصولي بدأ الإعداد له في المنطقة السّاحليّة وصولا الى الجيّة، منذ انطلاق ما سُمّي"ثورة 17 تشرين" حيث اثارت عمليات قطع الطرق على امتداد البلد بطريقة مدروسة ومتزامنة- خصوصا طريق الجنوب، الكثير من علامات الإستفهام حول الجهات الإستخباريّة المعادية التي تقف خلف تحريك جماعات اصوليّة في تلك المنطقة ورعايتها وتمويلها في محاولات "تطويق" حركة المقاومة واستفزاز بيئتها مرارا، خصوصا انّ عمليّة اغتيال المواطن علي شبلي على الملأ خلال حضوره حفل زفاف في المنطقة، والكمين المُحكم الذي نصبته المجموعة الأصوليّة في اليوم التالي في طريق تشييع المغدور، بيّنت بشكل واضح إحترافيّة عالية في صفوف المنفّذين من ألف عمليّة الكمين الى يائها، سيّما بعد اعتراف عدد من المشاركين السوريّين بالعمليّة الذين أطبق عليهم الجيش اللبناني، بقتالهم في صفوف "الثّورة" السوريّة، وكشفهم استقدام قادة متمرّسين في ميليشيا الجيش الحرّ وتنظيمات اصوليّة اخرى الى تلك المنطقة منذ شهور-وفق تسريبات مصادر صحافيّة لبنانية، اكّدت ايضا انّ كمين خلدة نُفّذ بأمر عمليات اميركي-سعودي بتنسيق عالي المستوى مع "الموساد" الإسرائيلي.
تجزم المصادر انّ منطقة تنفيذ الكمين وصولا الى الجيّة مُخترقة "اسرائيليّا".. وهذا يُعيدنا الى ما كانت كشفته صحيفة "الجمهوريّة" منتصف شهر كانون الأول الماضي تحت عنوان" كوماندوس اسرائيلي على شاطئ الجيّة"..وذكرت حينها انّ زورقا عسكريّا متطوّرا اقترب من الشاطئ اللبناني في بداية الشهر المذكور، وأنزل عناصر من "الكوماندوس" الإسرائيلي في منطقة الجيّة. وأوضحت انّ العناصر مكثوا على الشاطئ لبعض الوقت قبل ان يعودوا ادراجهم... وقتذاك، بدا واضحا انّ المجموعة "الإسرائيليّة" كانت في مهمّة إستكشافيّة لهدف ما !
رغم نفي واقعة "الإنزال" الإسرائيلي من اجهزة امنيّة مختلفة، الا انّ تلك الواقعة ليست مستجدّة في لبنان، وهو الذي شهد عمليّات "اختراق" اسرائيلية في حقبة السبعينيّات، إحداها عمليّة فردان الشهيرة التي اغتالت من خلالها قوّة اسرائيليّة ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينيّة، قبل ان تُلحق بعمليّة طرابلس التي كانت تستهدف حينها اغتيال القيادي الفلسطيني سعيد السّبع.. كما انّ واقعة الإنزال الإسرائيلي على شاظئ الجيّة تُصبح غير مستبعدة عندما يتعلّق الأمر بالطريق السّاحلي –معبر المقاومة وبيئتها الى الجنوب.. مع التذكير بإطباق الأجهزة الأمنية اللبنانية في السنوات الأخيرة على عدد من الشبكات المرتبطة بالموساد، إحداها الإجهاز على شبكة كانت تعمل تحت غطاء "جمعيّة خيريّة دينيّة" عام 2017 ..هذا كان قبل بداية مرحلة الإنهيار في لبنان.. فكيف الآن، وغالبيّة اجهزة الإستخبارات المعادية ترتع في هذا البلد، وعديد الجمعيّات تحت عناوين"خيريّة ومجتمع مدني" بات لا يُعدّ ولا يُحصى!
يبقى السؤال" ماذا ينتظر لبنان في 4 آب"؟ التوجّس من سيناريو تفجيري اُعدّ له بعناية في اروقة السفارة الأميركية ببيروت وملحقاتها، يبقى مبرّرا، كما الخشية من "طابور خامس" ركب موجة حراك ذوي ضحايا تفجير المرفأ بانتظار "ساعة صفر التحرّك" وحرف الحراك عن مساره لتحقيق الأهداف المعادية.. مبرّرٌ ايضا، خصوصا بعد شيوع انباء عن "حدث كبير" جُيّرت لأجل تنفيذه مجموعات "مشاغبة" محسوبة على ثورة "17 تشرين" ستكون عصب حراك 4 آب، كان لها دور كبير في احداث طرابلس ووسط ببيروت، وسيّما عندما تتبنّى هذا الحراك علانية شخصيّات حزبيّة يمينيّة معروفة الولاء والإنتماء.. هذا من دون إغفال ارتباط كمين خلدة بما تمّ تجهيزه، والذي نُفّذ في توقيت ليس ببريء ضدّ حزب الله..على مشارف إحياء ذكرى 4 آب.. مسبوقا برسالة سعوديّة آثرَت المملكة ايصالها "الى من يهمّهم الأمر" عبر سفيرها في بيروت وليد البخاري، الذي حزم أمره وغادر سريعا الى الرّياض عند تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة.. بزعم "التشاور"!
وسط كلّ ذلك، تنحو الأنظار الى حزب الله، المُستهدَف الرئيسي بكل ما يحصل، والذي فاجأ الجميع بنسف خطّة استدراجه للإنتقام ردّا على استشهاد عدد من مناصريه في كمين خلدة. حيث تركّز تعويل رعاة المنفّذين الأصوليين للكمين على ردّة فعل الحزب لتوريطه بمعركة داخليّة، وللنّفاذ من خلالها الى مطالبة شعبيّة بتدخّل عسكري دولي تحت الفصل السابع، خصوصا على مشارف انعقاد المؤتمر الدولي الخاصّ بلبنان، "وبناء على هذا المؤتمر سيتمّ وضع لبنان تحت الوصاية الدوليّة".. وهذه اشارة لافتة مرّرتها صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية مؤخرا !
وبالتالي، يعي حزبُ الله خطورة وشراسة الهجمة المعادية عليه في لحظة مفصليّة شديدة الحساسية يمرّ بها لبنان، ولا يُسقط من حساباته حتى ادنى الإحتمالات من مغبّة "مغامرة" قد تُقدم عليها تل ابيب حيال الحزب،مُستغلّة حال الفوضى الداخلية، سيّما على وقع المناورة العسكرية "الإسرائيلية" على الحدود الجنوبية، والتي ترصدها عيون مقاتليه جيدا.
وعليه، يؤكد مصدر في قوى 8 اذار، على جهوزيّة حزب الله القصوى جنوبا.. ابعد من ذلك، تُرجّح شخصيّة صحافيّة لبنانية مخضرمة "خطّة مضادة"-خارجة عن المألوف جهّزها حزبُ الله ردّا على ايّ تهوّر عسكري "اسرائيلي" ستُشكّل صدمة في اروقة تل ابيب وحلفائها.. وإذ توقّعت ان يبقى سقف الحراك يوم 4 آب مضبوطا ربطا ب "رسائل" ساخنة وصلت الى "من يعنيهم الأمر" في بعض السفارات الإقليمية ببيروت، من مغبّة ترجمة اي سيناريو معادي او يتضمّن استفزازات قد لا يحتملها مؤيّدو المقاومة، اشارت الى مفاجآت اقليميّة مُرتقبة على وقع الغليان الذي ازدادت وتيرته خصوصا في الأيام الأخيرة على خلفيّة استهداف الناقلة الإسرائيليّة "المجهول" قُبالة ساحل عُمان، والذي انكرت طهران مسؤوليتها عنه، كاشفة عن حدث عسكري كبير بات وشيكا في الجنوب السوري.