لفت المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، إلى أنّ "موقفنا ثابت كموقف الإمام الحسين يوم خيّروه بين السلّة والذلّة، فقال "هيهات منّا الذلّة"، فخيارنا وطن وبلد وسيادة وعيش مشترك، وسلم أهلي، ومشروع دولة متماسك رغم كلّ مرارات هذا الخيار"، مؤكّدًا "أنّنا سنبقى متمسّكين بوطنيّتنا، وثابتين على شراكتنا الوطنية، وعيشنا المشترك تمامًا كشراكة دماء وهب المسيحي مع دماء الإمام الحسين، وزهير العثماني مع حبيب بن مظاهر العلوي، على قاعدة لا للفتنة، لا للعبة الطائفية، لا لتمزيق البلد، لا للفساد بكلّ أشكاله، لا للاستثمار بالحقد والنكد والمتاريس النفسيّة، لا للفراغ السياسي، لا للسقوط، لا للتوظيف الدولي الإقليمي بخراب البلد".
وأشار، في رسالة شهر محرم الحرام ورأس السنة الهجرية لهذا العام من مكتبه في دار الإفتاء الجعفري، إلى أنّ "عليه، دعوتنا لتسهيل تأليف الحكومة، وانطلاق الدولة بما يقتضيه الواقع والمنطق، فالأمور وصلت إلى خطّ "اللارجعة"، خطّ إذا تجاوزناه خسرنا الوطن والهويّة. دعوتنا لحكومة عيش مشترك تضع حدًّا للفراغ القاتل، وتعمل على وأد الفتنة، ومنع الفساد والاضطهاد والاحتكار ومحارق الأسعار ولعبة الدولار، ورفع الظلم عن كاهل ناسنا وشعبنا ومشروع دولتنا".
وركّز قبلان على أنّ "حقّ شعبنا في العيش بعزّة وكرامة وعدالة هو حقّ مقدّس، ومن يشكّل جزًا من سياسة ماليّة أو نقديّة أو تجاريّة أو سياسيّة أو إعلاميّة أو أمنيّة تساهم بخراب البلد، فهو خائن لله ولوطنه ولناسه"، مبيّنًا أنّ "لهذا نقول: لا للاستسلام السياسي، لا للفتنة الطائفية، لا للحرب الأهلية، لا للمزيد من الانهيار والسقوط، لا للعراقيل ولا للتعطيل ولا لاستعمال الشعارات الفارغة، ولا للتذرّع بحقوق هذه الطائفة أو تلك، فلبنان مهدّد بالزوال والخناجر المسمومة تحيطه من كلّ جانب، فضلًا عن أنّ الأزمة أزمة نظام مهترئ، وحقوق اللبنانيّين ليست بوزارة من هنا أو وزارة من هناك، إنّما هي بقيام دولة المؤسسات، دولة الأمن المجتمعي، دولة لا زبائنيّة فيها ولا طائفيّة".
وذكر أنّ "في شهر محرم الحرام، تتكلّل السنة الهجريّة بأعظم دماء وأشرف شهداء، وهو ما تنتهجه المقاومة اليوم عبر ردّها بالنار على النار الإسرائيليّة، تثبيتًا للردع وتأكيدًا للجهوزيّة، وترسيخًا لحقيقة أنّ سياج هذا الوطن جيشه وشعبه ومقاومته، بعيدًا عن الكمائن المدبّرة الّتي تكشف بعضًا من المشاريع الخارجيّة، الّتي تحضّر لبلد لا يقبل إلّا أن يكون حرًّا أبيًّا بحلّته الوطنيّة وعيشه المشترك وسلمه الأهلي ودولته الجامعة".
وأوضح أنّ "من هنا أحب أن أتوجّه لأخينا في الإنسانيّة، وشريكنا في الوطن، للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فأقول: القضيّة قضيّة وطن كان محتلًّا، وسيادة كانت مصادرة، يوم تخلّى العالم كلّه عنّا، فاستعادته المقاومة وحوّلته بلدًا منيعًا ووطنًا مهيبًا، تحسب له "تل أبيب" ألف حساب، وذلك بسبب ما تمتلك المقاومة من ترسانة نوعيّة وصواريخ دقيقة وقرار شجاع، شكّل ضرورة هذا الوطن ومشروع دولته وسياج استقلاله، وأمنه وأمانه. وهي اليوم أكثر ضرورة لمنع مشاريع الحرب الأهلية، الّتي تعمل عليها أكثر من جهة دوليّة وإقليميّة بأقنعة مختلفة".
وشدّد قبلان على أنّه "لأنّ المقاومة ضرورة تحرير وحماية بلد وسيادة واستقلال، لم تحتج إلى تبرير يوم كانت بيروت محتلة، فإنّها كذلك اليوم لا تحتاج إلى أيّ تبرير، لأنّ سيادة وبقاء هذا البلد يرتبط إلى حدّ بعيد بأصل وجود المقاومة في لبنان. على أنّ ضرورة وجودها اليوم هي أكبر وأعظم لأنّ التهديد أكبر وأعظم".
كما فسّر أنّ "بخصوص هدنة 1949، فقد حوّلها الإسرائيلي أشلاء وخرائط احتلال وحرب أوطان، وهو لا يعترف إلّا بمصالحه الدمويّة وعقليته العدوانيّة ومشاريعه التوسعيّة"، متسائلًا: "هل احتلال إسرائيل لجزء من لبنان في العام 1978 ثمّ غزوه للبنان واحتلاله لعاصمته عام 1982 اعتراف بهدنة، أم رقص على أشلائها؟ ثمّ أين كانت الشرعيّة حين كانت آلة الحرب الإسرائيلية تسرح وتمرح في المؤسّسات الدستوريّة؟ وتعيّن وتعزل وتهوّد كلّ شيء؟ فهل نسينا الأمس القريب، أم تناسينا؟ أم أنّ هناك مشروعًا دوليًّا إقليميًّا، وظيفته تبييض إرهاب "تل أبيب" واحتلالها لفلسطين، ويجب أن يكون لبنان جزءًا منه، وعضوًا من هويّته الجديدة، ولو على أشلاء الرسالات السماويّة والمبادئ الدوليّة". ولفت إلى أنّ "بالحقيقة، هذا ما يتمّ العمل عليه وهو أمر لا يمرّ في لبنان، وستظلّ إسرائيل كيانًا محتلًّا وعدوًّا غاصبًا، وسنعمل بكلّ الطاقات والامكانيات لردعها ونزع أنيابها".
وأكّد أنّ "قرار السلم والحرب هو قرار وطن، قبل أن يكون قرار حكومة، وقرارُ سيادة واستقلال، قبل أن يكون عدد كراسٍ في مجلس وزراء منقسم على نفسه، ولا يملك إمكانيّة مواجهة إسرائيل، لذلك كان الحكومات المتعاقبة تكتفي بإصدار بيان أو بشجب عدوان، ثمّ تبكي على جنائز شعبها، لأنّ هذا أكثر ما تستطيعه أمام عدو غاشم، وهو ما حذّر منه فيما مضى الإمام السيد موسى الصدر، وأكّدت عليه القوى الوطنيّة سيّما "حركة أمل" و"حزب الله" الّذين انخرطوا بمعركة إنقاذ الوطن واستعادة الدولة وتحرير البلد وانتزاع السيادة والاستقلال من مخالب وأنياب الإسرائيلي المحتل، وقد تحقّق ذلك بفعل المقاومة، وليس بالبكاء على أطلال مجلس الأمن، ولا بالمؤامرات الدوليّة، ولا بادعاء الحياد، ولا ببيانات مجلس الوزراء. وما جرى في ثكنة مرجعيون عام 2006 خير دليل، رغم الوجع".
وشرح قبلان أنّ "الّذي يقرّر السلم والحرب طيلة سنوات مضت، هو "تل أبيب" وليس لبنان أو المحيط، وما قامت به المقاومة هو الوقوف في وجه وحشيّة "تل أبيب" بخصوص قرار السلم والحرب، ووضع لبنان على سكّة دولة قويّة مرهوبة الجانب بسبب ترسانة المقاومة، وقدراتها النوعيّة الّتي وضعت "تل أبيب" تحت خطّ النار".
وأشار إلى أنّ "لذلك، ولأنّ قرار السلم والحرب منوط بتحرير لبنان وحماية سيادته وتأمين مصالحه واستقلاله، فقد كان هذا سبب وجود المقاومة، وسبب استمرارها، خاصّةً أنّ هناك من يمنع تسليح الجيش لصالح تل أبيب وهيمنتها في المنطقة، ولن يكون الجيش لا اليوم ولا غدًا إلّا شريكًا للمقاومة، لأنّ وظيفة الجيش حماية لبنان وضمان سيادته واستقلاله ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وهو بشراكته للمقاومة يقوم بهذه الوظيفة".
إلى ذلك، شدّد على أنّ "حكومة غير قادرة على فرض تسعيرة ربطة الخبز أو حماية تنكة البنزين أو المازوت أو تأمين حبة دواء وحليب أطفال أو تأمين مياه أو ضبط أسعار السلع الغذائيّة أو منع احتكار الأسواق ومنع لعبة الدولار، هي بالأولى ليست قادرة على أخذ قرار بالسلم والحرب بحجم حماية لبنان من وحش يتأهب دائمًا لابتلاعه، ومجلس الأمن وبيانات التنديد لا تستعيد الأوطان، والتجربة مرّة، وهي واضحة عبر التاريخ".
ورأى قبلان أنّه "لولا وجود مقاومة قويّة وصواريخ استراتيجيّة، لكان لبنان مجرّد مستعمرة يمارس فيها الصهيوني كلّ أنواع الاستعباد والهدم، كما فعل ويفعل في فلسطين والقدس وكنيسة المهد وكنسية القيامة، وحي الشيخ جراح". وجزم أنّ "لبنان لن يكون جزءًا من تهويد المنطقة، ولن يكون جزءًا من الاستسلام ما دام هناك مقاومة في لبنان، وهي منه كالرأس من الجسد، وإذا كان من أمن وأمان في الجنوب وسائر محافظات لبنان فهو بفضل قوة الردع التي حوّلتها المقاومة سياج وطن، وسيادة بلد، وضمانة شعب ومؤسّسات. والعين اليوم على حماية لبنان بكلّ الأشكال، لأنّ هناك مشروعًا دوليًّا إقليميًّا حقيقيًّا يريد النيل من الداخل اللبناني، ومسؤوليّة كلّ الوطنيّين في هذا البلد حماية لبنان من خرائط المتاريس الدولية واللعبة الطائفيّة".
وتوجّه إلى اللبنانيّين قائلًا: "هذا لبنان بلدنا، والدولة دولتنا، والناس ناسنا، لذلك دعونا نحمل جميعًا همّ هذا البلد، بعيدًا عن اللعبة الدوليّة الإقليميّة، وليكن لبنان وسلمه الأهلي وعيشه المشترك أوّلًا، خاصّةً أنّ التاريخ القريب للحرب الأهليّة مُرّ للغاية، ومن جرّ الفتنة إلى نفسه فقد قتلها، فلنكن عائلة وطنيّة واحدة ضمن مشروع دولة واحدة، وسط محبة ورحمة واحدة، وقد اختلطت دماء أبنائنا ببعضها البعض لحماية هذا البلد، فلا تضيّعوا هذا الوطن لأنّه لا بديل لنا عنه. فآن الأوان لنا أن نتّعظ ونتعلّم كيف نحصّن بلدنا، وكيف نحافظ عليه ونحميه وكيف نحكمه".