فيما تُواصل مصر رفع حالة الاستنفار لإِدارة المنظومة المائيّة "في أَعلى درجةٍ مِن الكفاية"، وتسعى إِلى تحقيق "الإدارة المُثلى للموارد المائيّة"، مع الحفاظ على المنسوب الآمن لنهر النّيل وفرعَيْه"، تبقى مسألة سدّ النّهضة محور جدلٍ بين الدّول الثّلاث: إِثيوبيا، مصر والسّودان، مع بداية العام المائيّ!.
بيد أَنّ بصيص الأَمل جاء هذه المرّة جزائريًّا، إِذ أَكّد الرّئيس الجزائريّ عبد المجيد تبون الأَحد الماضي، أَنّ المُبادرة الجزائريّة لحلّ أَزمة سدّ النّهضة لقيت تجاوبًا كبيرًا مِن كُلّ الأَفرقاء المعنيّين، مُبديًا ثقته في نجاحها. وقال تبون، في مُقابلةٍ مع وسائل إِعلامٍ محليّةٍ: "المُبادرة... جزائريّةٌ خالصةٌ، ولم تُمْلِها علينا أَيُّ جهةٍ. وتكلمْتُ مع رئيسة إِثيوبيا ورئيس وزرائها قبل زيارة وزير خارجيّتنا إِلى هذا البلد. وأُؤَكّد أَنّنا وقفنا على ردود فعلٍ إِيجابيّةٍ مِن الدُّول الثّلاث: إِثيوبيا والسّودان ومصّر"، مُذكّرًا بأَن "مجلس الأَمن لم يفصِل في القضيّة وأَعادها إِلى الاتّحاد الأَفريقيّ. ونحن واثقون مِن نجاح الوساطة الجزائريّة، ولا بُدّ مِن تحكيم العقل والمنطق حتّى تنعم أَفريقيا بالاستقرار وتعود إِلى المحافل الدّوليّة". وأَكد تبون أَنّ "الوساطة... لن تتوقّف"، غامزًا مِن قناة تأدية بلاده دور الوسيط العادل، مُشيرًا: "ليس لدينا في القضيّة لا ناقة ولا جمل إِلّا المسعى في تقريب وجهات النّظر".
بيد أَنّ ثمّة تعارُضًا واضحًا بين التّصريح الجزائريّ المُفرِط في التّفاؤل... والمسأَلة المائيّة المُعقّدة والمُنذِرة بحربٍ أَفريقيّةٍ لا يُمكن التكُهّن –إِذا ما حصلت– كيف ستكون نهايتها... وفي جولةٍ سريعةٍ على بعض المَواقف ذات الصّلة يُمكن الاستدلال إِلى خطورة الملفّ المائيّ المُتفجّر!.
مريم الصّادق
وكانت وزيرة الخارجيّة السُّودانيّة مريم الصّادق المهدي -على سبيل المثال لا الحصر– قد لفتت إِلى أَنّ "وجود سدٍّ ضخمٍ على بُعد بضعة كيلومتراتٍ مِن الحُدود السّودانيّة، يُشكّل خُطورةً على حياة ملايين البشر"، إِضافةً إِلى تحجيمه الأَراضي الزّراعية إِلى 50 في المئة"... وأَضافت أَنّ "سدّ النّهضة، أَكبر مشروعٍ للطّاقة الكهرومائيّة في أَفريقيا، بتكلفةٍ تبلغ أَكثر مِن 4 مليارات دولار، يُهدّد سلامة سدّ (الرّوصيرص) السُّودانيّ"، مُعتبرةً أَنّ "صمت مجلس الأَمن على إِجراءات إِثيوبيا أحاديّة الجانب، والمُتمثّلة في الملء الثّاني للسدّ، يُرسل رسالةً خاطئةً".
مجلس الأَمن
وكان مندوبو الدُّول الكُبرى في مجلس الأَمن الدّوليّ، قد دعَوا الدُّول الثّلاث، إِلى الانخراط مُجدّدًا في المُفاوضات تحت رعاية الاتّحاد الأَفريقيّ، بينما قالت وزيرة الخارجيّة السّودانيّة إِنّ المُفاوضات فشلت مع إِثيوبيا لرفضها كُلّ المُقترحات المُقدَّمة".
وكانت الدّول الثّلاث: مصر، السُّودان وإِثيوبيا، خاضت مُحادثاتٍ دامت أَكثر مِن 10 سنواتٍ، مِن دون التوصُّل إِلى اتّفاقٍ قانونيٍّ مُلزمٍ... تُطالب به القاهرة والخُرطوم، إِلى أَن أَبلغت إِثيوبيا مصر رسميًّا أَنّها بدأت الملء الثّاني لسدّ النّهضة، وهو ما رفضته مصر في شكلٍ قاطعٍ.
وفي كلمةٍ في مجلس الأَمن، قال وزير الخارجيّة المصريّة، سامح شكري، إِنّ بلاده "تُواجه تهديدًا وجوديًا، فقد بُني كيانٌ هائلٌ على الشّريان الّذي يهب الحياة لشعب مصر"، مُحذِّرًا مِن أَنّ "إِذا تضرّرت حُقوق مصر المائيّة أَو تعرّض بقاؤُها للخطر، فلا بديل أَمامها إِلّا أَن تصون حقّها الأَصيل في الحياة".
سباقٌ بين الانفراج والانفجار؟
وبعد بصيص الأَمل الجزائريّ، يبقى السّؤال: مَن يسبق في الحُصول والسّيطرة: نجاح المُبادرة الجزائريّة وتاليًا الانفراج المائيّ في ملفّ سدّ النّهضة؟ أَم أَنّ المُبادرة تلك إِنّما تقف دونها عقباتٌ لن تسمح لها في الوصول إِلى الخواتيم السّعيدة وبالتّالي ستترنّح الوساطة العادلة النّزيهة، أَمام العقبات، فتكون للانفجار الكلمة الفصل؟.