لا بد ان المرونة التي يتم التعاطي بها مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ان من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، او من قبل الاطراف الاخرى، في ملف التشكيل الحكومي، تخفي وراءها امراً يعطي ميقاتي دفعاً معنوياً لم يملكه النائب سعد الحريري، ويضعه في موقف قوة. ويعتبر متابعون للملف الحكومي ان نقطة القوّة لدى رئيس الحكومة المكلف حالياً، قد تكون، اضافة الى الدعم الدولي العلني له، عدم مشاركته في الدورة المقبلة للانتخابات النيابية. وفي حال صح هذا التوقع، يبقى الامر مشروطاً بنجاح عملية التأليف، لان اعتذار ميقاتي لايّ سبب من الاسباب، يجب أن يعيده الى نادي السباق الانتخابي وبصورة اكثر فاعلية لضمان بقائه في الحياة السياسية وابقاء النفوذ المطلوب لحجز المقعد على الطاولة السياسية.
في حسابات الربح والخسارة، من المنطقي اعتبار عدم ترشح ميقاتي للانتخابات ضريبة "بسيطة ومقبولة" بالنسبة اليه، فهو اعتاد هذا الامر في مناسبات سابقة، كما ان من شأن ذلك ان يجنّبه معارك حساسة وقوية مع الحريري وافرقاء طرابلسية سنّية اولاً، ومع عون والنائب جبران باسيل واطراف اخرى ثانياً، كما من شأن هذا القرار ان يجنّبه اتهامات الكثيرين له بمحاباة هذا او ذاك كي يضمن فوزه بأكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية. من هنا، يرى المتابعون ان ميقاتي، اذا ما قرر بالفعل عدم خوض الانتخابات، فسيكون نقطة تلاق بين الاضداد السياسيين المحليين، وركيزة دولية اساسية، لانه من الصعب ايجاد شخصية سنية غير استفزازية تقبل بعدم الترشح للانتخابات، اضافة الى خوض "تسوية" مع عون بالنسبة الى الحكومة. كل هذه المعطيات مرتبطة بنية ميقاتي وقراره بالنسبة الى دخوله المعركة الانتخابية ام لا، لانه في حال قرر بالفعل البقاء في البرلمان في الدورة المقبلة، فكل هذا الكلام يكون من دون قيمة فعلية، ونعود بالتالي الى نقطة البداية، ويفقد رئيس الحكومة المكلف ورقة قوة فعلية تجعله متمايزاً عن غيره من السياسيين المؤهلين للحلول مكانه في حال اعتذاره.
ولا يجب الاستخفاف بلعبة الانتخابات النيابية التي باتت نجم المرحلة المقبلة، ويعوّل عليها اللاعبون المحليون جميعاً لاثبات وجودهم وترسيخ نفوذهم، مع الرهان الناجح دائماً على ان الشعب اللبناني يسير بالخطة السياسية كما هي من دون اعتراض، وسيتكفل بايصال اللاعبين انفسهم الى تحت القبة البرلمانية مع بعض التعديلات الخفيفة التي لن تؤثر على مجمل الصورة النيابية. تمهيداً للمرحلة المستقبلية التي من المتوقع ان تحمل معها حقبة جديدة للبنان، لن تقوم على الشفافية والمحاسبة بطبيعة الحال، وانما العودة الى الحقبة الماضية ولكن مع افضلية الخروج من الحالة المأساوية التي يتخبط فيها اللبنانيون. لذلك، قد تكون ورقة عدم خوض الانتخابات، اساسية في انجاح مساعي ميقاتي، واذا كان يحملها ويفاوض على اساسها، فهي ستتحول الى مصدر قوة فعلي من الصعب التغلب عليه من قبل اي شخص آخر، وستقوّي موقعه في التفاوض على شكل الحكومة ودوره فيها، والدفاع عن دوره كعنصر حيادي فيها، ما يطغى فعلياً على الدور الذي من المفترض ان يضطلع به رئيس الجمهورية في هذا السياق. في حسابات الربح والخسارة، يجب الاشارة الى ان مكاسب ميقاتي من عدم خوض الانتخابات يبقى اكبر من خوضها في حال اصراره على النجاح في تشكيل حكومة وحمله لقب "المنقذ" الذي كان الحريري يمنّن النفس في الحصول عليه قبل اشهر، وربما هذا السر الكامن وراء التريث في اعلان الاعتذار، وتحقيق بعض التقدم البسيط في مفاوضات التأليف، الذي يبقى خجولاً ولكنه قابل للحياة.