لا شك أن التهديد برفع الدعم منذ بدء الحديث عنه، خلق فوضى كبيرة وخطيرة في سوق الدواء، حيث فقدت الكثير من الادوية، لا سيما أدوية السرطان التي تعرّض المريض لخطر الموت اذا لم يتناولها في موعدها، والبدائل في كثير من الاحيان تُعتبر غير آمنة بسبب مناعة المرضى الضعيفة. الوكلاء لا يسلّمون الصيدليات، وبعض المستودعات تخزّن بانتظار قرار الحكومة برفع الدعم، الصيدليات تبيع ما لديها من أدوية مدعومة على سعر 12 الف ليرة لزبائنها اولا وهي تخضع من قبل بعض المستودعات لتخفيض جعالتها مع العلم ان قرار تخفيض جعالة الصيدلي والوكيل لم يوقّع بعد.
إذن انقطاع الدواء فتح المجال امام بعض المبادرات الفرديّة لتأمين الادوية من الخارج، لكنها في الوقت ذاته فتحت باب الاستغلال ايضا امام الجشعين الذين لا يتورّعون عن عن فعل أي شيء، والعامل الذي شجعهم ان الناس مضطّرة للشراء بأي سعر حرصًا على سلامتها، وهكذا بدأت عمليات البيع تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من مصادر عدّة كلها غير خاضعة للرقابة، وبعض الصيدليات بدورها غير مقصرّة بفوضى التسعير، فيلاحظ المواطن فروقات كبيرة في سعر الدواء بين مكان وآخر، مع العلم ان التسعير يخضع لمعيار واحد مصدره وزارة الصحة فاين الأخيرة من هذه الفوضى؟ من يحمي الناس الذين باتوا مهددين بصحتهم وبمالهم ايضا؟ ومن يضمن جودة الادوية التي تباع دون حسيب او رقيب؟ اين رقابة الوزارة من عمليات الغش فيما المريض لا سبيل امامه الا شراء المتوفر في السوق؟!.
النائب اسماعيل سكرية الذي يتابع ملف الدواء منذ ربع قرن والذي وجّه 55 سؤالا نيابيا وقدم عددا كبيرا من الملفات عن ادوية مزوّرة ومنتهية الصلاحية وبدون فعالية امام القضاء، أشار عبر "النشرة" انه لم يعد يستغرب لشيء في هذا البلد، وبالأخص في موضوع الدواء! مكررا القول أن ليس لدينا سياسة دوائية وطنية تحفظ حق المواطن من حيث النوعية والسعر، ولا قرار ولا هيبة الدولة مما افسح "باب الشطارة"، واشار ورأى ان ما حصل في سوق الدواء يحصل في قطاعات اخرى كالبنزين والمازوت والمواد الغذائية وغيرها، اضافة الى ان كل ما هو مدعوم يُهرّب الى الخارج، لجني الارباح الطائلة على حساب المواطن، والمسألة مؤذية اكثر حين يتعلق الامر بصحة الانسان. وهنا لفت د. سكرية الى ان اكثر المرضى حساسية امام فقدان الدواء هم مرضى السرطان، لان عدم متابعة بروتوكولات العلاج تجعل صحة المريض تتراجع بسرعة. وحذر المواطنين من الاسترسال في شراء الادوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأنّ هناك كميّة كبيرة منها مزورة وتركيبتها غير معروفة وغير خاضعة لاي رقابة.
واعتبر سكريّة ان الوضع كان سيئا من قبل وازداد سوءا في السنة الماضية حين تحدّثوا عن ترشيد الدعم وتأمّل الناس خيرا، لكن الّذي حصل هو فقدان الادوية من السوق ورأى ما اسماه بـ"كارتيل قوي جدا" مخترق للمناخ السياسي ومجلس النواب لذا فان كل محاولات اصلاح قطاع الدواء أُسقطت. حتى انه
لا يوجد لدينا مختبر ولا احد يسأل أو يبالي. ولهذه الاسباب لا يحق لنا في لبنان ان نستعمل كلمة "انسانية".
من جهتها الصيدلانيّة كريستيان موسى أكدت فقدان عشرات الادوية من السوق، وتحدّثت عن خطورة فقدان ادوية علاج السرطان، خصوصا انها تجبر المريض على تناول بدائل تحمل مفاعيل جانبيّة تؤثّر سلبا على صحة المريض، محذّرة من خطورة انتشار ظاهرة بيع الادوية عبر الانترنت ولفتت الى انها ابلغت الجهات المعنية عن بعض الادوية المستوردة والمُباعة بهذه الطريقة الا أنّها لم تلقَ الجواب الشافي، وكأن الكل سلم الامر للتجار المستغلين!.
بعد عرض هذا الواقع المزري، ليس لنا الا انتظار ان يصحوَ ضمير البعض، "انه دواء يا جماعة الخير ليس علبة سجائر او مشروب كحولي ولا يمكن التلاعب بصحة الناس"!.