عاش اللبنانيون في مساحة الإرتياح والبحبوحة المالية طيلة سنوات مضت إثر طي صفحة الحرب اللبنانية. نشطت السياحة، واستعادت مجدها في التسعينيات من اواخر القرن الماضي وفي اول اربع سنوات من القرن الحالي، قبل عودة التأزم السياسي الى لبنان، خصوصاً بعد إغتيال رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان. لم يشعر اللبنانيون بنعيم تلك المرحلة إقتصادياً، الاّ بعد وصولهم الى الهاوية التي يتخبطون فيها حالياً: لا أدوية، لا محروقات، لا كهرباء، لا قيمة للعملة الوطنية، لا رواتب تكفي اصحاب الدخل المحدود والمتوسط، لا سياحة، لا إنتاج، لا حكومة، لا علاج للأزمات.
ماذا بعد؟
كان لبنان جوهرة في عين أشقائه العرب، يطمحون للوصول الى مستوى عمرانه، وتألق عاصمته، ودرجات خدماته الطبية والسياحية، وتفوّقه العلمي في جامعاته ومعاهده ومدارسه، وتميز أبنائه الذين رفدوا العالم بخبراتهم وقدراتهم، ولا يزالون. لكن اللبنانيين عجزوا عن بناء دولة على ارضهم، أي دولة، لا ديكتاتورية ولا ديمقراطية، لا مدنية ولا طوائفية، لا موحّدة ولا فدرالية، لا هي جمهورية تمتلك مقومات الدولة، ولا هي مقاطعات تتسابق في سبيل أبنائها. هم قدموا تجربة سيئة للغاية، بدليل أحوال اللبنانيين حالياً.
أستذكر أصدقائي الإماراتيين الذين حدثوني منذ سنوات عن "بابا زايد"(مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان) الذي كان يتمتع بقدرات فائقة خوّلته ان يحول الإمارات الى أهم الدول ليس عند العرب فحسب، بل بين كل دول العالم، عمراناً وعلماً وتقدّماً وسياحة. أصبحت الإمارات حالياً رائدة في كل ميادين الحياة والإنسانية.
لم يتوقف الإماراتيون يوماً عند إنجازات المؤسس، بل إتخذوها قاعدة شكّلت إندفاعة لهم نحو العالمية، فتقدموا في رؤاهم نحو ترسيخ دور الامارات في كل القارات، وذاع صيت إمارتي أبو ظبي ودبي. ليس السبب مالياً، ولا نتيجة دعم دولي لا غربي ولا شرقي، بل لأن حكّام الإمارات قرروا ان يصنعوا دولة، وفعلوا، فنجحوا. هناك كثير من دول العالم الغنية لم تستطع ان تبني دولها ولا تفرض سمعتها بين عواصم العالم رغم غناها، لكن الامارات فعلتها بسبب ارادة قيادييها.
بالمقارنة، أين نحن في لبنان بعدما ورثنا سمعة متميزة؟ ضاعت كل انجازاتنا السابقة في زواريب الطوائف والمذاهب. كأننا نقول: نحن فاشلون على ارضنا، ناجحون في كل دول الإغتراب. نحن الذين ساهمنا في إعمار عواصم عربية وافريقية وفي اميركا الجنوبية، وعلى مساحات العالم. لكننا فشلنا في النجاح على مساحة صغيرة نسبياً، رغم امتلاكنا القدرات البشرية، والتصميم الفردي، والجمع بين نظام غربي وروح شرقية. فشلنا في ان نحمل الإرث الذي وجدناه في ربوع البلد، فلا حافظنا على البيئة، ولا طوّرنا الانتاج الزراعي ولا الصناعي، ولا نجحنا في ابقاء امتلاكنا للخدمات السياحية المميزة، ولا اخرجنا النفط والغاز من بواطن ارضنا ومياهنا، ولا احببنا بعضنا، ولا تآلفنا، بل انشغلنا بصراعات في سبيل مطامع زعمائنا وطوائفنا ومصالح فئوياتنا.
نستذكر ما قاله يوماً حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم عن ذاك البلد لبنان الذي كان موضع اعجاب الشرق والغرب، وما نقوله نحن اليوم عن الامارات. صار طموح اللبنانيين ان يتميزوا في أدوارهم: ان يكونوا فنانين او اعلاميين او ادباء او شعراء، كي يحصلوا على الاقامة الذهبية من الامارات العربية. صارت الاقامة في هذه الدولة كجائزة اللوتو الكبرى. لِمَ لا؟ طالما حقوق الانسان محفوظة فيها أكثر من أي دولة عظمى في العالم.
تستحق بالتأكيد ان تكون دولة الامارات مقصداً لكل العرب، وتحديداً اللبنانيين الذين يجدون فيها حلم الدولة الذين افتقدوه.
فمتى نُصبح دولة كالامارات العربية العُظمى يطمح للاقامة فيها كل متميز وناجح، ويقصدها كل انسان من اربع جهات الأرض، وخصوصاً من لبنان؟ ارادة الحياة تبدأ بقرار قيادي مفقود في بلدنا، وموجود في الامارات.